توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كَذَا فلْيكُنِ الشّعرُ وإلَّا فلَا!

  مصر اليوم -

كَذَا فلْيكُنِ الشّعرُ وإلَّا فلَا

بقلم:تركي الدخيل

أَنْتَ الَّذِي سَبَكَ الْأَمْوالَ مَكْرُمَةً

ثُمَّ اتَّخَذْتَ لَهَا السُّوَّالَ خُزَّانَا

قبلَ أن أختارَ بيتًا من الشّعر لأكتبَ عنه، كانَ البيتُ يخطرُ فِي ذهنِي مرةً، ثم يُبعدُه تزاحمُ غيرِه منَ الأمورِ فِي الذّهنِ، وربَّما يقعُ البيتُ من نفسِي موقعاً يجعلُه يتقافزُ مراتٍ؛ مرةً إلى داخلِ الذّهنِ، وأخرَى إلى خَارجِه. لكنَّ هذَا البيتَ استقرَّ بِمُجرّدِ مطالعتِه سريعاً.

ولأنَّ قدرَ مثلِ هذَا البيتِ الاستقرارُ، كانَ أوَّلَ ما قرأتُ فيه، قولُ شيخِ العَربية، أبِي الفتحِ عثمانَ بنِ جنّي، في «الفسرِ الكبِيرِ في شرحِ ديوانِ المتنبّي»، إذْ قالَ تعليقاً علَى البَيتِ: «كَذَا واللهِ يَشْعُرُ النَّاسُ، وإلَّا فَلْيَخْرُسُوا»!

لمْ يكنْ ابنُ جنّي، رَحمهُ اللهُ، يجامِلُ في إعلانِ إعجابِه الكبيرِ، بِشعرِ أبِي الطّيب المتنبّي، ومقولتُه هذهِ تأتِي ضمنَ صدقِه في بيانِ الإعجَابِ.

هناكَ مَنْ روَى البيتَ بِهمزِ «السُّؤَّال»، واختارَ ابنُ جني وغيرُه روايتَه تخفيفًا بحذفِ الهمزةِ (السُّوَّال): وهو جمعُ السَّائلِ (الطَّالب الفقير).

سَبَكَ: الذَّهبَ وَالْفِضَّةَ وَنَحْوَهما مِنَ الذَّائِبِ يسبُكهُ ويسبِكُه سَبْكًا وسَبَّكه: ذَوَّبه وَأَفْرَغَهُ فِي قالبٍ. وسَبِيكَة: قِطْعة مُذابة من الذَّهبِ أو الفضةِ في قالبٍ محدَّدٍ بحسبِ الوزنِ، والجمعُ: سَبائك.

الأموالُ: جمعُ مالٍ، وهوَ مَا ملكتَه من جميعِ الأشياءِ. والمالُ فِي الأصلِ الذَّهبُ والفضةُ، ثمَّ أُطلقَ على كلّ مَا يُملَك ولَهُ قيمةٌ، وكَانتِ العَربُ تُسمّي الإبلَ مالًا لقيمتِهَا عندَهم.

واختَارَ الشَّاعِرُ الحَديثَ عَنِ السَّبكِ، وَهوَ سَبكُ الذَّهبِ والفِضَّةِ، لأنَّهُ الأَصْلُ فِي المَالِ كَمَا سَبَقَ.

وهُنَاكَ مَنْ يَرَى أنَّ المالَ سُمِّيَ مالًا لأنَّ النَّاسَ تَميلُ إليهِ. وإذَا كَانَ الأمرُ كَذلكَ، إذن فَالأَحرَى أنْ يُسَمَّى المُمِيلَ.

خَزن: خَزَنَ الشَّيءَ يَخْزُنُه خَزْنًا، واخْتَزَنَه: أَحْرَزه وَجَعَلَهُ فِي خِزانةٍ وَاخْتَزَنَهُ لِنَفْسِهِ. والخِزَانةُ: اسْمُ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُخْزَن فِيهِ الشَّيْءِ. وَفِي التَّنْزِيلِ الْعَزِيزِ: «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ». والخِزَانَةُ: عَمَلُ الخَازِن. والمَخْزَن، بِفَتْحِ الزَّايِ: مَا يُخْزَن فِيهِ الشَّيْءُ. والخِزانَةُ: وَاحِدَةُ الخَزائن. (لسان العرب).

وهُوَ اسمُ مَكانٍ. وخُزَّانْ: جمع خَازِن، وهو القَائمُ علَى حِراسَةِ الخِزَانَة.

والمَعنَى: أنَّ الشَّاعِرَ يُخاطِبُ مَمْدُوحَهُ، فَيقولُ لَه: أنتَ الّذِي سَبكَ الأَموَالَ بِجمعِهَا وتَنمِيتِهَا ومُضاعَفتِهَا، وذلكَ مَكرمةٌ منكَ. و«المَكْرُمَة»: فِعلُ الكَرَمِ، وهي مفردُ المكَارِم، فَسبكَ المَمدوحُ الأَموالَ من كَرمِه فَهوَ كَمَنْ سَبكَ الأَموالَ لِيُكرمَ بهَا غيرَه، ويُثبتُ ذلكَ مَا جَاءَ بعدَ ذَلكَ.

فِي عَجزِ البَيتِ يقولُ المُتَنبّي:

ثُمَّ اتَّخَذْتَ لَهَا السُّوَّالَ خُزَّانَا

أيْ: بعدَ أنْ وفَّرتَ الأموالَ وصَنعتَها وضَاعفتَها، اخترتَ مَنْ يقومُ علَى حراستِهَا ومراقبتِهَا، وهمْ ذوو الحَاجاتِ وأهلُ السُّؤالِ مِنَ الفقراءِ، والمُرادُ أنَّكَ وزَّعتَها عَليهمْ من بَالغِ الكَرمِ والسَّخَاءِ.

إنَّ أهلَ الثرواتِ والأموالِ يُخزّنونَ أموالَهم للمحافظَةِ عليهَا، وضَمانِ ألَّا يمسَّها أحدٌ، وألَّا يصيبَها نقصانٌ ولا ضَررٌ، لكنَّ ممدوحَ المُتنبّي الذِي إنَّمَا سَبكَ الأموالَ واصطنعَهَا لأجلِ كرمِه، يختارُ حُراساً لأَموالِه، منَ الفقراءِ الذينَ تضطرُهم الحَاجةُ لِسؤالِ العَطاءِ، وكَأنَّ الممدوحَ يؤمنُ بأنَّ بقاءَ المَالِ في العَطاءِ، والتَّعبير عَنْ كرمِ المَمدوحِ بهذَا المَعنَى مِنْ بَلاغةِ أبِي الطَّيبِ المُتنبّي.

لَا غَرابةَ فِي تَعليقِ ابنِ جِنّي، علَى قولِ المُتنبّي:

أَنْتَ الَّذِي سَبَكَ الَأمْوالَ مَكْرُمَةً

ثُمَّ اتَّخَذْتَ لَهَا السُّوَّالَ خُزَّانَا

بِالفِعلِ... كَذَا فَليكنِ الشّعرُ، وإلَّا فَلَا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كَذَا فلْيكُنِ الشّعرُ وإلَّا فلَا كَذَا فلْيكُنِ الشّعرُ وإلَّا فلَا



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt