توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فرنسا ومأزق تجميد العملية السياسية

  مصر اليوم -

فرنسا ومأزق تجميد العملية السياسية

بقلم : جمعة بوكليب

في اللهجة المحكية الليبية يسمّون الزقاق «زَنقة». و«الزنقة» كلمة من فصيح لسان العرب، وتعني الطريق أو الزقاق الضيق. «الزنقة» ذاعت وانتشرت خلال انتفاضة «فبراير 2011» حين توعّد الراحل العقيد معمر القذافي الثوار، في خطاب مشهور ألقاه في معسكر باب العزيزية بالملاحقة، قائلاً: «شارع شارع... زنقة زنقة... دار دار». وهناك مثل شعبي ليبي يقول «وقفتِ الزنقة للهارب»، أي أن «الزنقة» بنهاية موصدة، وبالتالي استحالت نجاته.

يمكن استعارة المثل الشعبي أعلاه في الحديث عن آخر تطورات الموقف السياسي في فرنسا بإحداث تغيير طفيف فيه، وذلك بإحلال اسم الرئيس ماكرون مكان الهارب، فيصبح: «وقفتِ الزنقة للرئيس ماكرون».

شهدت فرنسا خمسة رؤساء حكومات خلال واحد وعشرين شهراً، ثلاثة منهم في مدة لا تزيد على 13 شهراً. آخرهم سيباستيان لوكورنو استقال يوم الاثنين الماضي، أي بعد أقل من شهر من تعيينه. لكن الرئيس إيمانويل ماكرون أعلن في مساء اليوم نفسه أنه قرر منح رئيس الحكومة المستقيل 48 ساعة إضافية، لإجراء مباحثات أخيرة، على أمل أن يجد موافقة برلمانية تتيح تمرير ميزانية العام المقبل.

في يوم الخميس الماضي، اطلعتُ على تقارير في وسائل إعلام بريطانية تفيدُ بإمكانية إحداث ثغرة في الجدار. التقارير أفادت بأن رئيس الحكومة المستقيل وافق على تجميد قانون رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً، مقابل موافقة التيار اليساري في المعارضة على الميزانية. تجميد القانون استناداً إلى خبراء وسياسيين فرنسيين يُكلّف خزينة فرنسا ملايين اليوروات في العام المقبل والمليارات في عام 2027.

إنجاز حكومة سيباستيان لوكورنو الوحيد أنها سجلت رقماً قياسياً، كونها بقيت أقصر مدّة في الحكم منذ بدء الجمهورية الخامسة في عام 1958. استقالة رئيسها يوم الاثنين الماضي في بيان ألقاه أمام قصر الحكومة، وضعت الرئيس ماكرون بين مطرقة إعلان انتخابات تشريعية جديدة، كما تطالب رئيسة حزب التجمع الوطني مارين لوبان وسندان تقديم استقالته وإعلان انتخابات رئاسية، كما يطالب جان لوك ميلانشون رئيس التحالف اليساري (فرنسا الأبية).

الخياران أحلاهما مُرٌّ على رئيس يحظى بمكانة ملحوظة على المسرح الدولي، الذي كرّس نفسه لتوحيد القارة الأوروبية مقابل التخلص من هيمنة واشنطن، ويقود المعركة ضد الاجتياح الروسي في أوكرانيا.

أمرُ الاستقالة ليس مُفاجئاً. كانت كل المؤشرات والتكهنات والتوقّعات تؤكد أن رئيس الحكومة لوكورنو لن يبقى طويلاً، وأنه سيواجه جداراً صلباً من أحزاب معارضة تتأهب الفرصة للانقضاض على الرئيس ماكرون، ولن يخرج فرنسا من أزمتها. لكن الرئيس ماكرون كان في وضع يائس وبائس، فقامر بتعيينه وخسر.

تعويض الخسارة بمقامرة أخرى ورهان آخر على المستوى نفسه لا يبدو ممكناً، وقد تخلى عنه حُسنُ الحظ. وللإنصاف، ليس للرئيس ماكرون سوى لوم نفسه، بإقدامه في صيف 2024 على عقد انتخابات خاطفة، جاءت نتائجُها في صالح اليمين واليسار المتشددَين.

الرهانُ على لجوء الرئيس ماكرون إلى اختيار رئيس حكومة آخر من حزب التجمع الوطني اليميني بقيادة مارين لوبان، أو من تحالف اليسار بقيادة جان لوك ميلانشون المتشدد (فرنسا الأبية) للخروج من الأزمة؛ ليس وارداً في دفتر حسابات الرئيس ماكرون.

التقارير الإعلامية تتفق على أن الرئيس لن يدعو إلى انتخابات تشريعية جديدة، ولن يقدم استقالته. واستطلاعات الرأي العام تضع شعبية زعيمة حزب التجمع الوطني اليميني على رأس القائمة بـ«30 نقطة»، يليها زعيم حزب فرنسا الأبية اليساري بـ«25 نقطة»، وفي آخر القائمة يتربع الرئيس إيمانويل ماكرون بـ«15 نقطة».

الوضع السياسي الحالي في فرنسا، يقول معلقون، يعيد إلى الأذهان الفوضى السياسية الضاربة التي سادت الجمهورية الرابعة قبل عام 1958. الجنرال شارل ديغول تمكّن من القضاء على الفوضى، آنذاك، من خلال دستور جديد، منح الرئيس صلاحيات واسعة. وبذلك ظهرت الجمهورية الخامسة، وتمكّن الجنرال الذي أصبح رئيساً من إعادة السفينة الفرنسية إلى مسارها، للخروج من المأزق السياسي الناجم عن برلمان معلّق لا يوجد فيه حزب واحد يحظى بأغلبية، وانقسامه بين يمين ويسار متشددَين يستحوذان على أكثر عدد من مقاعده، يعني تجميد العملية السياسية، وبقاء الحصان على عهده خلف العربة.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اليوم، وفي غياب المنافذ والحلول، في وضعية لا يُحسد عليها؛ فهو لا يستطيع المضي قُدُماً، لأن «الزنقة لاطمة»، ولا يستطيع التراجع والانسحاب للخلف، لأن سكاكين خصومه مشحوذة وفي انتظاره.

من أجل خلاصه من الفخ الذي أوقع نفسه فيه، يجد نفسه ملزماً بتقديم تنازل يعدُّ كبيراً، بتجميد قانون رفع سن التقاعد. وحتى هذا ليس بضمانٍ كافٍ على انفراج الأزمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرنسا ومأزق تجميد العملية السياسية فرنسا ومأزق تجميد العملية السياسية



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt