توقيت القاهرة المحلي 13:17:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تركيا والقبعات المتعددة

  مصر اليوم -

تركيا والقبعات المتعددة

بقلم : مصطفى الفقي

 بى غرام بتاريخ الدولة العثمانية وتأثيرها على العالمين العربى والإسلامى، وقد قرأت الكثير فى هذا الشأن حتى تكونت لدى تصورات واقعية حول تاريخ تلك الامبراطورية الكبرى التى حكمت الشرق الإسلامى لعدة قرون، واكتشفت دائمًا أن آل عثمان كانوا يتميزون بالقسوة والشدة أحيانًا, وبالانفتاح والرحابة أحيانًا أخرى، وذلك وفقًا لتكوين السلطان القابع فى قصره بالأستانة, والذى غالبًا ما كان يقتل أشقاءه أو ينفيهم بعيدًا حتى لاتكون هناك مطالبة بالعرش أو منافسة فى الحكم، ومازالت آثار العثمانيين ترصع سماوات عدد من الدول العربية والإسلامية وداخل تركيا وخارجها، وقصور السلاطين ومساجدهم شاهدة على سنوات المجد التليد والحكم الطويل، وعندما برزت «الأتاتوركية» وسقطت الخلافة العثمانية أطلت علينا تركيا من العاصمة الجديدة «أنقرة» برداء مختلف وبثوب مغاير لما اعتدنا عليه، حيث يدور الجميع حول الجمهورية التركية، ولم يقف الأمر عند هذا الحد, فقد أحدث أتاتورك انقلابًا ضخمًا فى التراث الثقافى والاجتماعى لتركيا الدولة الأوروبية الآسيوية التى يدين عدد كبير من أبنائها بالدين الإسلامى وفقًا للمذهب السنى، فاختفى الطربوش غطاء رأس العثمانيين، وتحولت الأبجدية إلى اللاتينية وتقلصت المظاهر التقليدية للدولة العثمانية، خصوصًا أن أتاتورك ورفاقه قد تحلقوا حول الرؤية العلمانية للدولة الحديثة، واستنكروا الكثير من مظاهر الخلافة التى انحسرت، ثم تهاوت وبقيت تركيا تعيش على أطلال تلك الرموز الخالدة للدولة العثمانية التى كانت قوية لعدة قرون قبل أن تتآكل وفقًا لعوامل الزمن والانهيار التقليدى للامبراطوريات.

ولقد لاحظنا فى السنوات الأخيرة أنه بوصول رجب طيب أردوغان إلى سدة الحكم رئيسًا للوزراء, ثم رئيسًا للجمهورية فإن الأحلام القديمة بدأت تراوده، وأضحى تأثير التاريخ الطويل للامبراطورية الضائعة هاجسًا يؤثر على الحكام الجدد، بل وربما فى ثقافة الشعب التركى كله الموزع بين آسيا وأوروبا، والمطل على البحار الدافئة والمغلقة معًا فى وقت واحد، والذى لا يزال يتطلع إلى دور أوروبى فى الاتحاد الذى يحلم بأن يكون عضوًا فيه، ولكن ذلك لن يتحقق لا لأسباب سياسية فقط بل لعوامل ثقافية واختلافات فى الشخصية الوطنية بين الأتراك وغيرهم من دول أوروبا، ويجب ألا ننسى أن تركيا دولة مهمة فى حلف الأطلنطى، كما أنها دولة مؤثرة فى التجمع الدولى الإسلامى ولها علاقات متميزة مع إسرائيل من منطق الشعور التركى بالتفرد والرغبة فى التميز، وهى دولة حليفة للولايات المتحدة الأمريكية، بل إن الكيمياء وتفاعلها الزائد قد لعبت دورًا فى العلاقات بين واشنطن وأنقرة، خصوصًا فى فترة حكم الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ويدهش المرء كثيرًا عندما يلاحظ درجة التوازن فى السياسة الخارجية التركية، والقدرة على الجمع بين المتناقضات، وحشد الكروت لديها فى مواجهة كل الأطراف، ففى الوقت الذى توجد فيه علاقات تجارية وعسكرية بين أنقرة وتل أبيب فإننا ندهش لوجود علاقاتٍ متنامية بين البلدين فى جوانب مختلفة، وذلك لا يمنع أن يوجه أردوغان أشد الانتقادات وأقسى العبارات لجنرالات تل أبيب من قادة الدولة العبرية، وهو يلعب لعبة التوازن بين هذه القوى المختلفة مستخدمًا كل ما لديه من أوراق، وما يسعى لتحقيقه من تحالفات، ولقد بشرت شخصيًا من سنوات طويلة بأن مسألة الأحلاف الكاملة لن يكون لها وجود، حيث أصبحنا أمام ما يمكن تسميته بالأحلاف الناقصة بحيث تكون الدولتان ألف وباء مختلفتين فى قضايا معينة، ويحترم كل منهما حق الاختلاف لدى الطرف الآخر ويمضى التوافق النسبى بينهما دون مشكلات حادة أو خلافات قاطعة، ولذلك فإن تركيا تضع فى أجندتها قضايا متعددة مثل الوجود الكردى فى تكوينها السياسى والاجتماعى، فضلاً عن الاختلافات مع اليونان وقبرص أحيانًا، لأن الدولة التركية ورثت قدرًا كبيرًا من مشكلات الدولة العثمانية فى بلاد البلقان ومازالت تعانى آثارها حتى اليوم .. دعونا نتأمل اللاعب السياسى الذكى رجب طيب أردوغان الذى يرتدى قبعة الأطلنطى حينًا ثم يخلعها ليرتدى عمامة آل عثمان حينًا آخر، وقد يترك هؤلاء وأولئك ليتفرغ للمشكلات القادمة لبلاده من الحدود مع سوريا وتوابعها فى المنطقة، فضلاً عن اهتمامه الدائم بشرق البحر المتوسط وصراعاته المختلفة، بدءًا من ليبيا، مرورًا بقبرص واليونان، وصولاً إلى تخوم البحر الأسود، إنها براعة سياسية ودهاء ملحوظ!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تركيا والقبعات المتعددة تركيا والقبعات المتعددة



GMT 10:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل سوريا بين إسرائيل… وأميركا وتركيا

GMT 10:22 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيز إسرائيل على طبطبائي… لم يكن صدفة

GMT 10:20 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

خطورة ترامب على أوروبا

GMT 10:15 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

المفاوض الصلب

GMT 10:12 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مشكلتنا مع «الإخوان» أكبر من مشكلات الغربيين!

GMT 10:07 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

إعلان الصُّخير... مِن «دار سَمْحين الوِجِيه الكِرامِ»

GMT 10:04 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

اصنعوا المال لا الحرب

GMT 09:57 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

توسعة الميكانيزم... هل تجنّب لبنان التصعيد؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt