توقيت القاهرة المحلي 13:17:08 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دورات الزمن فى العالم الشرق أوسطى

  مصر اليوم -

دورات الزمن فى العالم الشرق أوسطى

بقلم - جميل مطر

بأى حساب لم تكن الأسابيع الأخيرة مرحلة طيبة فى التاريخ الحديث للمنطقة التى نعيش فيها، وككل مراحل التاريخ يصعب جدا تحديد نقطة بداية هذه المرحلة وبطبيعة الحال يصعب أيضا وربما أكثر التنبؤ بلحظة نهايتها.
• • •
اجتمعت على منطقتنا وشعوبها فى هذه المرحلة الأخيرة كوارث طبيعية وحروب أهلية وأعمال إرهاب وموجات جوع. تلحق بهذه الكوارث موجات عطش أو تهديد بقرب وقوعها وفلتان قمع واستبداد. يواكبها فى أحسن الظروف انحسار فى الديموقراطية وفى احترام الحقوق الإنسانية وإنكار متعمد أو رخيص لمبادئ سيادة القانون وانتشار البطالة بكل أشكالها. يلحق بها التضخم بكل صوره ودرجاته وينتشر الفساد. أفلتت دول أو قطاعات فيها وغطست دول أخرى بكاملها أو انفرطت.
• • •
اهتزت الأرض تحت مدينة مراكش، واحدة من أجمل وأروع مدن المملكة المغربية، سبقتها فى تركيا هزة ليست أقل عنفا وتدميرا، والهزتان خلفتا أعباء نفسية وبشرية ومادية ستكون من نصيب حلقات متعددة من أجيال لم تولد بعد فى البلدين. مثل هذه الأعباء تنتظر أجيالا مماثلة، أى لم تولد بعد، فى دول فى المنطقة تهاونت فى إدارة اقتصاداتها فاقترضت فوق حاجتها وفوق طاقة سماح الدول الصديقة والمؤسسات الدولية وبعضها استمر يشجع لأغراض جيوسياسية لم تكن خافية.
• • •
فى ليبيا شن إعصار قادم من الغرب هجوما بالعواصف والأمطار والسيول على مدينة درنة القريبة من الحدود المصرية. بكل المقاييس كان الهجوم ضاريا لم تنج منه مسئولية الفوضى السياسية الناشبة فى ليبيا. اتهم حكام الغرب فى طرابلس حكام الشرق فى بنغازى، اتهموهم بالتقصير واتهموا معهم الفساد وظهر من خارج ليبيا من اتهم المؤامرة الدولية التى دبرت وخططت لنشوب إعصار توراتى مكمل بشكل ما للإعصار الإبراهيمى. وكما هى العادة فى هذا الإقليم العابر للحضارات العظمى يسرع البعض ليلقى بالمسئولية عن كارثة أو مصيبة على نصوص تاريخية أو دينية أو أسطورية قابلة لتفسيرات شتى.
• • •
لم تقتصر أوجاع الشعوب فى الإقليم على الكوارث الطبيعية، وبعض هذه الكوارث مشكوك فى انتسابه بالكامل إلى الطبيعة فللإنسان دور فى الإساءة إلى المناخ ودفعه نحو ارتكاب الكوارث الواحدة بعد الأخرى. الإنسان أيضا مسئول عن كارثة سوريا والسوريين. شعب خلاق فى تاريخه الممتد والمتمدد عبر حضارات شتى هو الآن ضحية لطائفية مقيتة اختلطت بنزعات استبدادية وصراعات إقليمية وأطماع دولية فى الطاقة وفى مصادر القوة والهيبة. الإنسان مسئول أيضا عن انكسار لبنان وانطفاء بعض أنواره وهجرة خير زهراته وتهريب ثروته النقدية وفرض تراكم النفايات كعلامة انكسار ومهانة وإعادة بعض كراسى السلطة إلى رجال الدين أو لممثليهم، بيروت الأجمل دائما فقدت بريقها وتنازلت عن مكانتها عروسا للشرق الأوسط.
• • •
كان الأمل أن ينشأ السودان واحدا مكتملا ويبقى واحدا مكتملا. للأسف أصبح بفضل بعض أهله اثنين وهو الآن مرشح ليزداد عددا وضعفا. ثرواته مثل كل ثروات أفريقيا مطروحة للسرقة والنهب. شعبه توزع بجهود ووحشية بعض جيوشه على دول الجوار وفى معسكرات لاجئين أو تبعثر فى الصحارى وعلى الحدود. يتحدثون بلا خجل عن مشروع دولة فى شمال السودان ترث أرضا سبق أن قامت عليها وسادت منها ذات يوم قبل آلاف السنين على أراضٍ شاسعة وشعوب وحضارات قديمة. مرة أخرى يتدخل التاريخ ليعيد لنا صراعات نشبت بين شعوب تاريخية كان الظن أن القرون العديدة والحضارات الجديدة طوتها أو على الأقل كتمت صوتها.
• • •
أذكر، وفى ظنى أننى سجلت فى مكان ما بعضا من حديث جرى أمامى قرب نهاية عقد التسعينيات فى ندوة أقيمت فى بيروت. كان طرفا فى الحديث رجل عرفت فيما بعد أنه فى حقيقة أمره خبير فى شئون الشرق الأوسط لدى جهاز استخبارات غربى. يومها طرح اعتقاده أن الشرق الأوسط، الإقليم الفريد فى تكويناته الطبقية والعرقية والطائفية، عاجز بنفسه عن تحقيق عدالة فى توزيع مقاليد السلطة على جميع تشكيلات ومكونات المجتمعات الشرق أوسطية، وأنه لا بد من تدخل «جراحى» من الخارج يعيد حقوق السلطة إلى أصحابها بحجة أن الطائفة التى احتكرت السلطة لقرون عديدة لن تسمح لطوائف أو أى قوى داخلية تغيير واقع الحياة السياسية والاجتماعية فى دول المنطقة. فهم المجتمعون القصد ودخلوا فى حوار ممتد كشف فى نهايته أن قوة خارجية تسعى للتدخل لإحداث هذا التغيير الجذرى فى بعض مجتمعات الشرق الأوسط. مرت سنوات معدودة وفى أثرها قامت قوى عسكرية مزودة بخبراء سياسيين، وبينهم الرجل الذى نقل فكرة التدخل الخارجى، بترتيب عملية غزو للعراق لتحقيق التغيير المنشود، وبالفعل ما يزال العراق يحاول التأقلم مع ظروف ومكونات مختلفة، سواء فى داخله أو على جميع حدوده الخارجية، جميعها بدون استثناء.
• • •
لهذه الظروف مجتمعة مع التغيير الحادث فى نظام توازن المكانة والهيبة والقوة فى النظام العربى، صارت مطروحة الحاجة إلى نظام إقليمى يواكب هذه التغييرات والظروف الواقعة فعلا والمتوقعة فى المنطقة. المواكبة التى أتحدث عنها أقصد بها توفير الفرص اللازمة لتجديد النظام العربى ليصبح مؤهلا للتعامل مع هذه الكوارث وعوامل النحر الأخرى التى أضعفت قدرات النظام العربى القائم منذ أكثر من سبعين عاما. المواكبة يمكن أيضا أن تأخذ شكل إقامة نظام إقليمى آخر، شرق أوسط جديد مثلا تجتمع فى ظله جميع التفاعلات القائمة بين جميع دول الشرق الأوسط، أى الدول العربية ودول جوارها كتركيا وإيران وما يستجد بتدخل قوى دولية.
• • •
لا أمل فى استقرار بالشرق الأوسط ونهوض جماعى إلا بإنهاء حال الارتباك الراهنة نتيجة تعدد بؤر الاشتباك على الحدود الفاصلة بين دول النظام العربى والدول المكونة لمشروع الشرق الأوسط الجديد. إنهاء الارتباك السائد وأعمال الإرهاب وتبادل العنف أو السعى والخوف من استخدامه يتوقف على قدرة النظام العربى بشكله الراهن على استعادة إرادته المستقلة وقدرته على بث أو إعادة بث روح « قومية« فى شرايين الأمة وخطاباتها السياسية وقدرته على خلق دوافع لكل الأطراف العربية لتحقيق تكامل إقليمى قوى فى الاقتصاد والتعليم والتكنولوجيا وفى الفكر العسكرى والأمنى، فيها جميعا أو فى واحدة بعد الأخرى. المشوار طويل ولكن ضرورى.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دورات الزمن فى العالم الشرق أوسطى دورات الزمن فى العالم الشرق أوسطى



GMT 20:35 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

48 ساعة كرة قدم فى القاهرة

GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt