توقيت القاهرة المحلي 16:51:38 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ربّما باتت آخر «المعارك المصيريّة»: الحذف ضدّ الـ«سكرين شوت»

  مصر اليوم -

ربّما باتت آخر «المعارك المصيريّة» الحذف ضدّ الـ«سكرين شوت»

بقلم:حازم صاغية

لاحظ متبحّرون في «فيسبوك» ظاهرة جديدة: كتّاب ومؤرّخون ونقّاد حذفوا عبارات (بوستات) سبق أن كتبوها في تمجيد «طوفان الأقصى» وامتداح قادته وقادة «حرب الإسناد»، فضلاً عن عرض تقديراتهم الجازمة بنصر مؤزّر.

ردّ الفعل هذا محزن ومحبط لأنّه يقول كيف يستجيب جزء من نُخبنا لهزيمة ربّما كانت أكبر هزائم العرب وأوسعها نطاقاً في الزمن الحديث. هكذا إذاً يُرَدّ على الهزائم بالاستناد إلى زرّ delete على الكومبيوتر.

مَن يذكر كيف هزّت هزيمة ثورة 1905 الروسيّة نخبة بلدها، أو معاناة النخبة الألمانيّة مع صعود هتلر، وما حلّ بالنخبة اليابانيّة بعد هزيمة اليابان في الحرب الثانية، عليه أن ينسى. عندنا، يتكفّل زرّ delete بالمهمّة. ذاك أنّ الشطر المذكور من النخبة آثر أن يتجاهل عدم فهمه تراكيبَ مجتمعاتنا، واستعدادات شعوبنا، وعدم فهم «الغرب» و«الشرق» وإسرائيل والمقاومة... أمّا «خطّ التاريخ» الذي لطالما حسبه هؤلاء مقيماً في جيوبهم ففرّ إلى جهة مجهولة. ولأنّ زرّ الكومبيوتر اللاغي يعفينا ويعفي ثقافتنا من إلغاءات أكبر وأهمّ، تُرك له، بالتضامن مع تقاليدنا في عدم المحاسبة، توفير النجاة الفرديّة وصون ماء الوجه. هكذا يبقى «المؤرّخ الكبير» كبيراً، و«المثقّف اللامع» لامعاً، وتمضي بنا الحياة على رَسلها.

والحال أنّ انعطافات التاريخ غالباً ما تنشأ عن عوامل منها تطوّر التقنيّة والآلة، وتغيّر الأفكار والتطلّعات الشائعة، وما تعلّمه التجارب لمن يجرّبونها. أمّا لدى هذه النخبة، فلا تفعل تلك العوامل سوى استعراض عجزها المحض. فالصنف المذكور تقيم الحرب والمقاومة «في دمه» بمعزل عمّا يجدّ في عالم التقنيّة، وعمّا يطرأ من قناعات ورغبات تخالف ما ساد، أو قيل إنّه ساد، في مراحل سابقة، ولكنْ أيضاً بغضّ النظر عن خزين هائل من التجارب.

فـ«الشعب يهزم الآلة»، كما رُدّد إبّان الحرب الفيتناميّة، ليس بالضرورة قولاً صائباً على الدوام، خصوصاً حين لا تكون «الشعوب» شعوباً بالمعنى الذي يفترضه الشعار فيها، أي موحّدة في قلبها وإصرارها على محاربة عدوّ بعينه. فوق هذا، بات افتراض أنّ تشي غيفارا أو السنوار ونصر الله يستولون على مخيّلات الشبيبة مأخذاً مُقلقاً على صاحب الافتراض، تماماً كافتراض أنّ قلوب الملايين تخفق للشهادة في المعركة.

بيد أنّ أسوأ تعابير الفكر البائس سلوكه حيال التجارب. ففي منطقتنا، تتكدّس عشرات الحروب والمقاومات التي انتهت إلى كوارث، لكنّها لم تُفض إلى مراجعة تلك المفاهيم. يصحّ هذا أيضاً في مفهوم «الوحدة العربيّة» مثلاً، الذي باشر سقوطه منذ 1961، كما يصحّ في مفهوم «الاشتراكيّة» السوفياتيّ الذي انهار وانهارت معه دزينة دول قبل ثلث قرن، أو في مفهوم «التحرّر الوطنيّ» بنتائجه الفقيرة... لكنْ في أحسن الأحوال، كان انهيار هذا الشعار الأيقونيّ أو ذاك لا يرتّب أكثر من ذكره العَرَضيّ والاضطراريّ كما لو أنّه فعل بلا فاعل، أو أثر بلا تأثير.

والراهن أنّه حين يمتنع التعلّم من التقنيّة والأفكار والتجارب، فلا تُراجَع ولا يُبنى عليها، تستولي على الفكر البائس ديناميّات تقاوم الواقع وحقائقه.

فهناك، أوّلاً، التعويل على إراديّة قصوى مفادها أنّ «العوائق والعقبات» لن تقف حائلاً في طريق انتصار موعود سوف يأتي ذات يوم غامض،

وثانياً، هناك ربط القضيّة الخاسرة بالشرف والكرامة والأصالة، وتنسيب اليائسين منها ومن انتصارها المزعوم إلى العار المدمّج بالخيانة،

أمّا ثالثاً فتشتغل ديناميّة التخفيف أو الإنكار، على ما فعل محمّد حسنين هيكل بتسميته هزيمة 1967 «نكسة»، أو ما فعله النظام السوريّ السابق باعتبارها انتصاراً، أو ما يفعله «حزب الله» في تشبّثه بأنّ «صموده» مصدر مجد وافتخار.

ورابعاً، تُرَدّ حقائق الواقع إلى مؤامرة أو أفعال عدوانيّة من طبيعة خرافيّة تستهدفنا وحدنا، نحن الضحايا الأبديّين، ونصرخ «يا وحدنا».

وأخيراً، وفي أوساط صنف من الماركسيّين ينسبون إلى أنفسهم «طليعيّة» و«علميّة» تتيحان الإفتاء في «الفكر والتاريخ والطبيعة»، فلا تتبدّى المشكلة في القضايا، بل في حامليها، إذ لو أتيح لهم هم أن يعبّروا عن تلك القضايا إيّاها لما حلّت الهزيمة.

وبالطبع فتبعاً لتلك الديناميّات، لا يعود هناك مسؤول يُلام عمّا قال وفعل، بل يتحوّل المسؤول هذا إلى لائم، إذ هو في الآن نفسه واحد من ضحايا المؤامرة والعدوان.

في هذه الشورباء الفكريّة، حيث يُدفن الفشل بصمت، بلا مراجعة أو اعتراف أو نقد أو إعلان مسؤوليّة، يبقى الباب مفتوحاً لتكرار الكوارث بأسماء وعناوين أخرى. وبعدما كانت الكتب والصحف الورقيّة تحفظ «هفواتنا»، باتت التقنيّات توفّر لنا فرصة الرهان على الحذف، إلاّ أنّه للأسف رهان غير مضمون النتائج. فالـdelete يبقى مهدَّداً بصورة الـscreenshot التي قد يلتقطها عدوّ متلصّص ويحتفظ بها. وهكذا ربّما بات صراع الـdelete والـscreenshot التحدّي الأكبر الذي تواجهه الثقافة الراديكاليّة العربيّة في خوضها «حروب المصير».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ربّما باتت آخر «المعارك المصيريّة» الحذف ضدّ الـ«سكرين شوت» ربّما باتت آخر «المعارك المصيريّة» الحذف ضدّ الـ«سكرين شوت»



GMT 10:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل سوريا بين إسرائيل… وأميركا وتركيا

GMT 10:22 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيز إسرائيل على طبطبائي… لم يكن صدفة

GMT 10:20 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

خطورة ترامب على أوروبا

GMT 10:15 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

المفاوض الصلب

GMT 10:12 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مشكلتنا مع «الإخوان» أكبر من مشكلات الغربيين!

GMT 10:07 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

إعلان الصُّخير... مِن «دار سَمْحين الوِجِيه الكِرامِ»

GMT 10:04 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

اصنعوا المال لا الحرب

GMT 09:57 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

توسعة الميكانيزم... هل تجنّب لبنان التصعيد؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 03:02 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

اليونيسف تحذر من خطر شديد يهدد أطفال العالم
  مصر اليوم - اليونيسف تحذر من خطر شديد يهدد أطفال العالم

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt