توقيت القاهرة المحلي 22:56:07 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دموع التوبة ونشيجها

  مصر اليوم -

دموع التوبة ونشيجها

بقلم - د. محمود خليل

انتهت قصة آدم عليه السلام بكلمات ألهمها له الله، رفع وجهه إلى السماء ونطق بها وتقبلها الخالق الرحيم منه وتاب عليه.. يقول الله تعالى: "فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم"، اجتهادات كثيرة ساقها المفسرون في محضر تحديد هذه الكلمات، لكن أغلب الظن أن هذه الكلمات مفسرة -كما يذهب "ابن كثير"- بقوله تعالى: "قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين".

المشهد الختامي من قصة "آدم" يشير إلى وقوع اتصال من نوع ما بين الخالق العظيم وخليفته في الأرض، تلقى "آدم" كلمات التوبة خلاله، فقد ظل أبو البشر يستغفر ربه بعد أن هبط إلى الأرض، ويدعوه أن يقبل توبته عما اقترف من المعصية، واستمع الله إلى نشيج الندم المتدفق عبر صوته، ونظر إلى دموع الندم التي تدفقت من عينيه، فتاب سبحانه عليه، وغفر له، ومع هذه التوبة حانت لحظة عودة روح آدم عليه السلام إلى بارئها، بعد أن انتهت رسالته.

استفاد نجيب محفوظ من هذا المشهد الختامي في بناء المشهد المقابل في قصة "أدهم"، فوصف كيف هد الحزن "أدهم"، وكيف سكن الهم كل خلية من خلايا جسده فأمرضها، وباتت أغنامه مهددة بالهلاك، بعد أن ضاع ابناه، واحد بالقتل والآخر بالفرار من المنزل، وفي ظلام المحنة الكبرى التي عاشها المسكين، جاءته بارقة أمل في لحظة استثنائية من عمر الزمن، أنصت فيها إلى وقع أقدام يعرفها جيداً، تقترب من الكوخ الذي يرقد فيه، نعم إنه هو، الجبلاوي، أبوه الذي طرده من البيت الكبير.

لم يصدق "أدهم" نفسه وهو يرى صورة "الجبلاوي" واقفاً أمامه، في حين يرقد هو على السرير عاجزاً عن القيام، أخذ يبكي فسأله الأب: "أنت تبكي وأنت الذي أخطأت"، فقال أدهم بصوت يشرق بالدمع: "الخطأ كثير والعقاب كثير ولكن حتى الحشرات المؤذية لا تيأس من العثور على ظل".. فرد الجبلاوي: "هكذا تعلمني الحكمة!"، فقال أدهم: "عفوا عفوا، الحزن أرهقني، والمرض ركبني، حتى أغنامي مهددة بالهلاك، أنجبت قاتلاً وقتيلاً.. فقال الجبلاوي: "الميت لا يعود.. فماذا تطلب؟".. تنهد أدهم وقال: "كنت أهفو للغناء في الحديقة ولكن لن يطيب لي اليوم شىء".. فقال الجبلاوي: "سيكون الوقف لذريتك.. لا تجهد نفسك واركن إلى النوم".

هكذا كتبت عبقرية نجيب محفوظ السطر الأخير في قصة "أدهم" مستدعيا الأصل القرآني، ومستلهما الآية الكريمة التي انتهت إليها القصة حين تلقى "آدم" من ربه كلمة التوبة، ولهج بها فتاب الله عليه.

لقد أراد الأديب الكبير التأكيد على فكرة أن نبي الله آدم عليه السلام يمثل أصل كل شعوب العالم، وأن من الوارد أن يتصوره كل شعب تبعاً لثقافته وتكوينه وتركيبته.. فالأمريكي يتصور أبا البشر أمريكياً، والأوربي يتصوره أوربياً، والصيني يظنه صينياً، وقد أراد نجيب محفوظ أن يقدم النسخة المصرية من آدم عليه السلام، عبر حكاية "أدهم" التي تصدرت رواية "أولاد حارتنا"، وقد تفوق المصريون بهذا الإبداع "ألمحفوظي" على غيرهم من شعوب العالم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دموع التوبة ونشيجها دموع التوبة ونشيجها



GMT 22:31 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

سمات التقدم

GMT 22:30 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

صلاح منتصر الغائب الحاضر

GMT 20:37 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

لخبطة «ما بعد الحقيقة»

GMT 20:35 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

العناني واليونيسكو وترشيح صادف أهله

GMT 20:33 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

‎ما الذى سيفعله نتنياهو فى رفح؟

GMT 12:32 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

دعوة للإصلاح أم للفوضى؟

GMT 03:37 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

وصايا صلاح منتصر

GMT 03:36 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

الندم على ما فات!

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 06:00 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

الكشف عن موعد إطلاق سيارة كروس روسية جديدة
  مصر اليوم - الكشف عن موعد إطلاق سيارة كروس روسية جديدة

GMT 21:38 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

سمير صبري يُطمئن الجمهور بعد تعرضه لحادث

GMT 16:11 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

آيس كريم الفانيلا

GMT 09:05 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على طقس الثلاثاء في مدن ومحافظات مصر

GMT 16:42 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

اليونايتد يرفض طلب مانشيتر سيتي قبل الديربي

GMT 03:55 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

خنازير البحر أبرز الأنواع المعرّضة إلى خطر الانقراض

GMT 22:56 2013 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

رجل مقنّع يثير الرعب بين نساء مدينة بريطانية

GMT 16:29 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

بعثة المنتخب تصل القاهرة بعد أداء مناسك العمرة الأربعاء

GMT 22:00 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

ندوة "لا تغضب" عن الإعجاز العلمي في صيدلة الفيوم

GMT 04:18 2017 الخميس ,26 كانون الثاني / يناير

المصمم اللبناني إيلي صعب يطرح مجموعته لربيع وصيف 2017
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon