توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حضارة وُجِدَت لتبقى

  مصر اليوم -

حضارة وُجِدَت لتبقى

بقلم : عبد اللطيف المناوي

من بين كل الحضارات التى عرفها الإنسان، تظل الحضارة المصرية وحدها الأكثر قدرة على الاستمرار، والأكثر حضورًا فى الوعى الإنسانى. ليست لأنها الأقدم فحسب، بل لأنها الحضارة التى لم تفقد صلتها بجذورها، ولم تتوقف عن التجدد عبر آلاف السنين.

واليوم، مع افتتاح المتحف المصرى الجديد، تعود مصر لتذكّر العالم بأنها لم تترك التاريخ خلفها، بل تحمله معها إلى المستقبل، لتؤكد مجددًا أن حضارتها وُجِدت لتبقى.

تبدأ الحكاية منذ أكثر من سبعة آلاف عام، حين صنع المصرى القديم أول نظام حكم مركزى فى التاريخ، وأول كتابة منظمة، وأول دولة موحدة. فى زمن كانت فيه شعوب الأرض ما تزال تخطو على بدايات الحضارة، كان المصريون قد شيّدوا العمارة والفكر والعدالة والروحانية.

لكن المعجزة الحقيقية لم تكن فى ما بنوه من حجارة، بل فى ما تركوه من فكرة: إن الحياة على الأرض امتداد للحياة الأبدية، وإن الخلود ممكن، ليس فى المعبد أو الهرم فقط، بل فى القيم والمعرفة والفن.

لهذا لم تُمحَ الحضارة المصرية رغم ما مرّت به من غزوات وأزمات وتغيرات سياسية. من الفراعنة إلى البطالمة، ومن الرومان إلى العرب، ومن المماليك إلى الدولة الحديثة، ظلت مصر تحافظ على جوهرها الإنسانى المتفرد، وعلى قدرتها العجيبة على امتصاص التأثيرات الخارجية دون أن تفقد ذاتها.

تاريخ مصر سلسلة من القمم وانكسارات؛ فكما عرفت فترات مجدٍ عالمى كعهد تحتمس ورمسيس وإخناتون، عرفت أيضًا عصور انكسار سياسى واقتصادى. لكنها فى كل مرة كانت تنهض، وتعيد تعريف ذاتها وفق متغيرات الزمن.

مصر لم تُلغ حضارتها القديمة ولم تُستبدل بثقافة دخيلة، بل ظلت لغتها القديمة تتنفس فى اللغة العربية المصرية، وعاداتها الزراعية مستمرة منذ النيل الأول، وطقوسها الاجتماعية تحمل مزيجًا فريدًا من الفراعنة والمسيحية والإسلام.

فى كل عصر، كانت مصر تخلق نسختها الخاصة من نفسها، دون أن تتخلى عن ملامحها الأصلية. تلك المرونة الحضارية هى ما جعلتها خالدة، وهى ما يمنحها اليوم القوة لتواجه تحديات القرن الحادى والعشرين كما واجهت الغزاة عبر العصور.

افتتاح المتحف المصرى الجديد ليس مجرد حدث ثقافى أو سياحي؛ إنه بيان حضارى معاصر تقول فيه مصر إنها لا تستعرض الماضى، بل توظّفه فى بناء الحاضر والمستقبل.

منذ أن خطّ المصرى القديم على جدار معبده عبارة: «الزمان يمضى، لكن ما تكتبه الأيدى يبقى»، وهو يعلن سرّ هذه الحضارة.

لم تبقَ مصر لأنها محمية بقوة السلاح، بل لأنها محصّنة بإيمان الإنسان بقيمة ما يصنعه.

الرسالة التى تبعثها القاهرة للعالم اليوم: الحضارة ليست ذكرى، بل مشروع مستمر. والتاريخ لا يعيش فى المتاحف فقط، بل فى وجدان أمةٍ لم تتوقف عن الإبداع منذ فجر الإنسانية.

«حضارة وُجِدَت لتبقى» ليس شعارًا بل حقيقة متجددة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حضارة وُجِدَت لتبقى حضارة وُجِدَت لتبقى



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt