توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رسائل من الأرض

  مصر اليوم -

رسائل من الأرض

بقلم - عمرو الزنط

فى صيف 1977، منذ 45 عامًا، أطلقت وكالة ناسا مركبتى فضاء «فوياجر»، أى المسافر. أولًا المسافر 2 فى أغسطس، ثم المسافر 1 فى بداية سبتمبر من ذلك العام. كانت هذه أولى المركبات التى تصور كواكب المجموعة الشمسية الخارجية بدقة، عندما مرت بالقرب من المشترى وزحل ومجاميع أقمارها.

الصور المبهرة، التى أرسلتها مركبات المسافرات فى نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات، تزامنت فى مصر مع أوضاع متقلبة؛ زيارة السادات للقدس، اشتداد بدايات الصحوة الدينية، اغتيال السادات.. لكنى كنت فى ذلك الوقت طفلًا مصاحبًا لوالدى الدبلوماسى بسفارتنا بالعاصمة الأمريكية واشنطن. صور السادات وبيجن وكارتر تصدرت الأخبار هناك أيضًا بالطبع.

وكذلك مظاهر الصحوة، خاصة مع صعود الخومينى وخطف رهائن السفارة الأمريكية فى طهران، لكن صور «فوياجر»، التى تصدرت الأخبار كذلك، هى التى شدّت انتباه وفضول هذا الطفل المقبل على المراهقة، خاصة أنها تزامنت تقريبًا مع برنامج «كوزموس»، لعالِم ومعمم العلم الفذ، كارل ساجان، الذى شرح المعنى الأعمق للصور الجذابة ووضعها فى إطارها الحضارى الأعَمّ.

حتى قبل «فوياجر»، كان من المعلوم أن كوكب المشترى تدور حوله أقمار؛ بل كان اكتشاف جاليليو لهذه الأجسام السماوية، التى تدور بوضوح حول كواكب غير الأرض، من أسباب صدامه الشهير مع السلطات الدينية.. أما مركبات فوياجر فقد فتحت عالمًا جديدًا بالكشف عن عشرات الأقمار التى تدور حول كواكب المجموعة الشمسية الخارجية، بالمقارنة بقمر واحد فقط يدور حول كوكب الأرض.. من بين تلك الأقمار ما يستضيف براكين متفجرة، وما فيه محيطات من غاز الميثان المثلج، أو غلاف جوى معتم، ربما قابل لاستضافة أنماط الحياة. ورصدت بدقة فائقة بؤرة كوكب المشترى الحمراء الكبرى؛ عبارة عن عاصفة عملاقة، أكبر من كوكب الأرض بأكمله، قائمة منذ مئات السنين على الأقل. ورصدت الحلقات التى تحيط بكوكب زحل، والتى كان قد اكتشفها كذلك جاليليو من خلال المنظار الذى صممه فى أول القرن السابع عشر، والذى كشف عن كون تسوده قوانين حركة موحدة تحكم كل أجسامه، مما مهد لاكتشافات نيوتن، ومن ثَمَّ الثورة العلمية وبداية العالم الحديث، مع نهاية نفس القرن. بعد زيارة المشترى وزحل، بدأت «المسافر 1» الخروج من المجموعة الشمسية، سالكة مسارًا عموديًّا على المستوى الذى يجمع كواكبها. أما مركبة فوياجر 2 فأكملت رحلتها الشمسية بزيارة كوكب أورانوس (فى 1986) ونبتون (1989)، وهما الكوكبان اللذان- بالمناسبة- ليس لهما لقبان عربيان نظرًا لاكتشافهما بعد اندلاع الثورة العلمية وانفصال العالم العربى عن ركب الحضارة الحديثة.

المركبتان تكملان الآن رحلتهما خارج المجموعة الشمسية، على مسافة 16 و22 ساعة ضوئية من الأرض، أى أن الإشارات المنبعثة منهما تأخذ ما يقرب من يوم كامل للوصول إلينا. القمر بالمقارنة يبعد عنّا حوالى ثانية ضوئية فقط، مع ذلك هذه ليست مسافات كبيرة بالمعايير الفلكية، التى تقدر المسافات الكبرى فيها بملايين ومليارات السنوات الضوئية، لكنها تشكل خطوة أولية فى طريق استكشاف الإنسانية لمأواها الكونى الأكبر.

بدأت «ناسا» مؤخرًا فى تخفيض عمل أجهزة المركبتين، فى محاولة لحفظ ما تبقى من طاقة فيهما لبضع سنوات إضافية، وذلك بعد تشغيل استمر ما يقرب من نصف القرن ودام أكثر من عمرهما الافتراضى بعشر مرات. لكن حتى بعد انطفاء أجهزتهما بالكامل، ستسبح المسافرتان 1 و2 فى الفراغ السائد ما بين النجوم، ربما لمليارات السنين، بعد ترك المجال الجاذبى للشمس بالكامل.. وربما بعد أن تفنى الإنسانية وتنطفئ الشمس نفسها، فى أعقاب نفاد وقودها من الهيدروجين.

وفى رحلتهما الملحمية تلك، ستحملان أسطوانات تسجل رسالة من الإنسانية إلى الكون، لعل وعسى هناك مَن يهمه الأمر: كلمة من أمين عام الأمم المتحدة عام 1977؛ تحيات بمختلف اللغات السائدة على الأرض، بما فى ذلك العربية؛ آية قرآنية؛ موسيقى لبيتهوفن وباخ ولقبائل إفريقية؛ أصواتًا وصورًا تعكس طبيعة وأنماط الحياة على الأرض، فى محاولة لشرحها.. والتعبير عن رغبة دفينة لدى الإنسان فى فك شفرة وجوده فى كون شاسع، فيه عدد من المجرات أكبر بمراحل من تعداد كل البنى آدمين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسائل من الأرض رسائل من الأرض



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt