توقيت القاهرة المحلي 10:15:49 آخر تحديث
  مصر اليوم -

السودان... كل السيناريوهات قاسية

  مصر اليوم -

السودان كل السيناريوهات قاسية

بقلم:جمال الكشكي

كل السيناريوهات التي تنتظره قاسية... الطيران وسط سماء معتمة يحتاج إلى طيارين من طراز الوطنية... كل النوافذ مفتوحة للعواصف، والأعاصير... ما يزيد على 55 مليون راكب لا يعرفون موعد وصول الرحلة المملوءة بالمطبات. ولا يعرفون النجاة، أو القفز إلا في فراغ غير معلوم.

السودان في حالة سفر خطيرة. أقلع يوم الخامس عشر من أبريل (نيسان) عام 2023 من مطار الدولة، تتجاذبه رياح سياسية، وصراعات اقتصادية، وتهديدات وجودية. كل شيء بات في مهب الريح، الملاحون الدوليون يتحكمون في خط سير الرحلة، بينما الركاب أنفسهم رهينة صراع قديم يتجدد، يفتقد إلى إدارة حكيمة تنقذ مستقبل البلاد من التلاشي، أو من التقسيم، أو من قبضة جماعات، وتنظيمات مسلحة، جاهزة للانقضاض.

الطَرْق أسفل جدران الوجود للدولة صار بأيادٍ قارية متفرقة. سباق نفوذ على الضرب في مقتل، وبناء سدود تحجز الحق في الحياة، وأخرى تتسلل للهيمنة على أمن وملاحة البحر الأحمر، والتحكم في 12 في المائة من التجارة العالمية، وتحويل ممراته إلى (كانتونات)، وقواعد تتقاسمها قوى دولية تصارع التاريخ ثأراً من الجغرافيا.

كم هو قاسٍ أن يتحول السودان إلى أرض الخوف، وكان يجب أن يكون مزرعة العالم العربي، بدرجة تفوق مصطلح الصين مصنع العالم، كيف يصبح ضحية موارده الطبيعية من الذهب، والماس، والحديد، والمنغنيز، والنفط، وقبل كل ذلك فهو موطن الزراعة. شيء مؤلم أن تنظر إلى خريطة السودان فتجده رهينة صراعات داخلية كارثية، وفي الوقت نفسه هو محاصر من دول هي الأخرى أشد إيلاماً، وكارثية، تلفه من الشمال الغربي ليبيا الحائرة بين الفوضى والتقسيم، ومن الغرب تشاد التي يعصف بها الفقر، وفي الجنوب أفريقيا الوسطى التي تعيش صراعات قبلية وعرقية، وجنوب السودان التي تقيم على خرائط هشة، وفي الجنوب الشرقي إثيوبيا التي تحترف صناعة التأزيم، عبر مخططات بعيدة المدى، وهو ما تجسد جلياً في بناء سد النهضة ضد مصالح دول المصب، والمرور، مصر، والسودان، وإريتريا التي تتسابق عليها قوى دولية من أجل الفوز بشرفة على ساحل البحر الأحمر.

السودان يحترق، والنار بدأت تصل إلى جيرانه. والوقت ينفد. تحت نيران الحرب، تتقاتل القوى الأجنبية بأذرع محلية، السودان أصبح ساحة لتصفية حسابات إقليمية، ودولية، والشعب السوداني هو الوقود.

في الخلفية تقف قوى أخرى سياسية، ومدنية، وتقليدية، وأخرى مسلحة في انتظار لحظة الانهيار للانقضاض، والمشاركة في قسمة الخرائط باعتبارها فواعل مباشرة، أو وكلاء لقوى دولية.

الوقت ليس في صالح استقرار السودان، فكلما طال أمد الحرب، تراجعت فرص سيناريو الإنقاذ، وإيقاف الحرب، والتقاط الأنفاس، وربما يكون الاحتمال المتاح سيناريو البقاء في مرحلة الهشاشة العميقة، أو الانزلاق نحو سيناريو الانهيار الكامل للدولة، وفي هذا السيناريو لا أحد يمكنه قراءة الفواتير الباهظة للكارثة، والتي تتمثل في خروج السودان من معادلة الدولة الواحدة، ويفتقد لمقومات المعيار الجيوسياسي، ويصبح بمثابة المفتاح الأفريقي الذي كُسر، وتتراجع قدرته وأدواره باعتبار أنه شريك رئيس في التفاوض مع الجانب الإثيوبي حول تداعيات سد النهضة، والأخطار المستقبلية التي تهدد الأمن المائي لمصر، والسودان، فضلاً عن أن الوصول إلى سيناريو الانهيار سيقوض كل عناصر أمن وملاحة البحر الأحمر، بل سيتحول ساحله الغربي إلى فوضى تتقاسمها بعض القوى الدولية، والميليشيات، والتنظيمات الإرهابية، وهنا يمكن أن يتشكل، استراتيجياً، جزء رئيس من النظام العالمي الجديد على هذه المساحة من خرائط العالم، ويصبح خلية خطرة جداً، فعلى الصعيد الأمني عندما ينهار السودان، فقطعاً ستتحول هذه المساحة إلى ملاذ للإرهاب العالمي («داعش»، «القاعدة»، «بوكو حرام»)، وهذا له انعكاساته، وتهديداته على أوروبا، والعالم.

وعلى الصعيد الاقتصادي عندما يتعطل البحر الأحمر، يعني ارتفاعاً في تكاليف الشحن العالمية، وتضخماً يدفعه المستهلك عالمياً.

أما على الصعيد الإنساني، فسوف نواجه أكبر أزمة نزوح في العالم، مما يخلق حالة من عدم الاستقرار الإقليمي.

إن السودان، بحكم قدره الجغرافي، ومسؤوليته التاريخية، ليس دولة هامشية، بل إنه محور استقرار حيوي للأمن القومي العربي، والأفريقي. ولذا فإن المحافظة على وحدته واستعادة دولته ليست مسؤولية السودانيين وحدهم، بل مسؤولية إقليمية، لأن انهياره يعني انهيار معادلات المياه، والملاحة، والأمن، بينما خروجه من الحرب يعني إعادة توازن المنطقة، ووقف سلسلة من الأخطار المتصاعدة.

لا بد من إعادة دمج السودان في محيطه، وتفعيل دوره في التجمعات الإقليمية... نحتاج إلى «تحالف إرادة» من كل من يخاف على مصلحته من انفجار السودان.

فالانفجار لن يكون لدولة عادية يمكن أن تستعاد بعد حرب أهلية، إنما هو انفجار لقارة صغيرة، ولمفتاح استراتيجي إلى الإقليم العربي، وأفريقيا، وآسيا، وقد يتحول المفتاح إلى قنبلة متشظية في وجوه الجميع، فالسودان القارة الصغيرة الذي يوصف بأنه الخزان متعدد الثقافات، والأعراق، والألسنة قد يصبح جسراً خطيراً لتفكيك أهم منطقة حيوية في العالم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان كل السيناريوهات قاسية السودان كل السيناريوهات قاسية



GMT 08:36 2025 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

أقيل كي لا يستقيل

GMT 08:35 2025 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

القتل فظيع والأفظع السكوت عن ضرره!

GMT 08:33 2025 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

المغرب العربي 2025: اقتصادات الصمود النسبي

GMT 08:32 2025 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

المُتنبّي وحصان ترمب الجامح!

GMT 08:31 2025 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

أوكرانيا: انتصار روسيا الأجوف

GMT 08:29 2025 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

إيران وإسرائيل والالتباس اللبناني

GMT 08:27 2025 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

جُوع الفيس

GMT 08:25 2025 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

في انتظار سيجارة مع داوود عبدالسيد!

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 01:05 2025 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

اجتماع الناقورة يبحث سبل منع استئناف الحرب مع لبنان
  مصر اليوم - اجتماع الناقورة يبحث سبل منع استئناف الحرب مع لبنان

GMT 03:34 2025 الجمعة ,19 كانون الأول / ديسمبر

دراسة تكشف أسباب فقدان التحكم في الشهية
  مصر اليوم - دراسة تكشف أسباب فقدان التحكم في الشهية

GMT 11:42 2025 الخميس ,18 كانون الأول / ديسمبر

باسل خياط يعود للدراما المصرية بمسلسل سيكودراما
  مصر اليوم - باسل خياط يعود للدراما المصرية بمسلسل سيكودراما

GMT 20:58 2025 الخميس ,18 كانون الأول / ديسمبر

اختراق حساب نفتالي بينيت على تلغرام وتسريب مراسلات وصور
  مصر اليوم - اختراق حساب نفتالي بينيت على تلغرام وتسريب مراسلات وصور

GMT 01:57 2025 الثلاثاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

السعودية وروسيا تعلنان إعفاء التأشيرات المتبادل

GMT 21:56 2015 الإثنين ,07 كانون الأول / ديسمبر

أميرة شوقي تُنشئ أول فريق مسرحي للأطفال المعاقين

GMT 00:46 2025 الأربعاء ,14 أيار / مايو

إجراءات أمنية جديدة في مطار بيروت

GMT 03:52 2025 الثلاثاء ,16 كانون الأول / ديسمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟

GMT 09:13 2022 الأربعاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

هدى المفتي تنتظر عرض "حظك اليوم" و"شماريخ" في دور السينما

GMT 23:17 2020 الخميس ,03 أيلول / سبتمبر

أم تقتل 5 من أطفالها وتحاول الانتحار في ألمانيا

GMT 16:51 2020 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

استدعاء الفنانة نانسي عجرم للتحقيق وعرضها على طبيب شرعي

GMT 10:43 2019 الثلاثاء ,30 تموز / يوليو

سموحة يعلن انتقال أبو جبل إلى الزمالك

GMT 06:58 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد الغيطي يكشف أهم أخطاء منتدى شرم الشيخ الإعلامية

GMT 15:08 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

رحلة شيّقة وممتعة لاكتشاف محمية القالة في الجزائر

GMT 02:31 2017 الخميس ,10 آب / أغسطس

تعرف على أسعار الأخشاب اليوم الخميس 10-8-2017
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt