توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

خطر انهيار السودان

  مصر اليوم -

خطر انهيار السودان

بقلم:جمال الكشكي

بعض المعارك تشكل مفترق طرق، ومعركة الفاشر في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، رسمت خطوطاً قاسية في قلب السودان، فالمشاهد الواردة من الفاشر بإقليم دارفور وصفتها الأمم المتحدة والمنظمات العالمية بجرائم حرب، وأدانتها الولايات المتحدة الأميركية نفسها.

كأن معركة الفاشر جرس إنذار خطير يكشف عن الأسطورة المأساة التي تضرب السودان من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، بل إنها تضعه في مهب الريح.

منذ استقلاله عام 1956 لم يشهد السودان مثل هذه الحرب الضروس التي ينخرط فيها طرفان، كل منهما له حساباته، ومصالحه، كما تنخرط فيها أطراف إقليمية، ودولية، كل يدعي حماية السودان، لكنه يشعل فتيلاً لا ينهار معه السودان وحده، بل إن اللهب يمتد إلى أطراف إقليمية لصيقة بالسودان، ومن دون مبالغة، ربما تكون تداعيات الخطر أبعد من السودان نفسه، فنحن نتحدث عن بلد ورث الانقسام الحاد منذ استقلاله عام 1956، ولم تمتزج أقاليمه الجغرافية المختلفة بعاداتها وتقاليدها التي تكاد تكون بعيدة عن بعضها البعض.

وقد أشار الصحافي الشهير محمد حسنين هيكل إلى هذا الأمر الذي فتح عليه باب النقد، لكن الحقيقة أن الدولة المركزية السودانية كانت معزولة عن أقاليمها، ووصل الأمر حد الحرب الطويلة مع جنوب السودان، مما أفضى إلى استقلال الأخيرة، وتململ الأقاليم الأخرى في الشرق، والحرب الفعلية في الغرب، حيث دارفور، وكردفان، وأخيراً الحرب العلنية القاسية المفتوحة بين أطراف السلطة المركزية في الخرطوم، بالطبع أصاب ما يسمى «الربيع العربي»، السودان كشقيقاته من الجمهوريات، صحيح أن الربيع جاء متأخراً إلى الخرطوم، لكنه وقع وجثم على شوارعها ومؤسساتها، وترك أثره في انقسام حاد ما بين الدولة المركزية وميليشيا «الدعم السريع».

وهنا تدمرت الخرطوم، وانتقلت العدوى إلى بقية مدن السودان، وصار المواطن السوداني مقسوماً على اثنين، وهو الذي كان حالماً بدولة مركزية قوية، خصوصاً أن السودان دولة مهمة في الإقليم من حيث المساحة، والموارد، والدور.

المعركة لا تخص هذا الشعب السوداني، لكنها تحولت إلى خطر كامن قد ينطلق من الأراضي السودانية إلى دول الجوار، وقد تأثرت جميعاً منذ اندلاع المعارك في 15 أبريل (نيسان) 2023، ورأينا أثر ذلك على اندفاع إثيوبيا في استكمال بناء سد النهضة الذي سوف يضر بدولتي المصب مصر والسودان، كذلك تأثرت دولة جنوب السودان التي لا تزال تبحث عن هويتها الحقيقية، وطارت الشرارات إلى تشاد وليبيا، وإرتيريا، وأفريقيا الوسطى، وأربكت حسابات الاستقرار في البحر الأحمر.

من دون شك، فإن مصر تنظر بعين فاحصة إلى ما يجري في السودان، كون دولة السودان بمثابة جبهتها الجنوبية المهمة، خصوصاً في ملف النيل الذي تتشابك فيه مصر والسودان ضمن الحوض النيلي المهم، غير أن هناك أخطاراً غير مباشرة تمتد إلى خرائط أبعد، وتخشى مصر أن تتحول أرض السودان إلى ملاذ آمن للتنظيمات والجماعات الإرهابية عابرة الحدود، كما أن القارة الأفريقية ذاتها سوف تتأثر طولاً وعرضاً، وهناك خطر آخر، تراه أوروبا يتمثل في الهجرة غير الشرعية.

إن السودان، جغرافياً وتاريخياً، يمثل قلب المعادلة العربية-الأفريقية، ولا بد من الاندفاع الحاسم والسريع لإنقاذه من معركة معولمة قد لا تفضي إلا إلى انهيار شامل لدول أفريقية مهمة، قد يتكرر فيها ما يجري في السودان، فحدود هذا البلد العربي-الأفريقي الكبير مفتوحة على جبهات عدة، ويمكن أن يتطاير منها السلاح إلى بؤر أخرى، وقد تتحول إلى مخزن ينطلق منه الرعب إلى شعوب مختلفة يتم التخطيط لتدميرها في لحظة نظام عالمي ينقض على مقدرات الشعوب، ويتحول السودان هنا إلى فكرة البلد «صانع النار»، و«الجاهز للاستخدام» حيث يشاء المخططون.

المسألة السودانية لا تنحصر في مواردها الطبيعية، أو مكاسبها، بل إن السودان بتاريخه وثقله الحضاري والإنساني، وجغرافيته إنما يشكل معركة مغرية لأطراف عالمية تريد أن يكون السودان ورقة مهمة في ترتيب الأوضاع المقبلة على المسرح الدولي.

وسط كل هذه العواصف التي تحاصر السودان داخلياً وخارجياً يظل إنقاذ السودان ضرورة إقليمية وعالمية حتمية، فالخرائط المستقرة لن تقبل استمرار ألسنة اللهب المتصاعدة في السودان، والخرائط المهتزة ترتجف أكثر من اقتراب هذا اللهب إليها.

إذا لم يتم إنقاذ السودان من براثن الحرب الأهلية، والحسابات المركبة، وصراعات النفوذ والمصالح، فالخرائط جميعها ستدفع أثماناً باهظة، فحسب نظرية الأواني المستطرقة فإن الجميع سيصل إليه صدى ما يجري في السودان.

ولكن قبل المطالبة بالتدخل الإقليمي والعالمي لإنقاذ السودان، فإن المطلب الرئيس والمركزي يتعلق بأهل السودان أنفسهم، فعليهم أولاً القفز خارج مفهوم الحرب الأهلية، والصراع على السلطة، وإعلاء أهمية الوطن السوداني فوق كل رغبة أو مطمع، وشعب السودان عانى طويلاً على مدى سبعة عقود من هذه الصراعات التي أفضت إلى حروب أهلية، وانقسامات، وتهجير، وتدمير للبنية الأساسية للدولة السودانية، رغم أن الشعب السوداني صاحب حضارة، وثقافة عريضة، وصاحب دور في كل المواقف العربية والأفريقية طوال العقود نفسها، وأسهم في جميع القضايا العربية والعالمية، ولديه سفراء مثقفون في كل أنحاء العالم، ولذا فإن السودان يجب ألا ينزلق إلى الهاوية التي تصبح فيها النجاة أثراً بعد عين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خطر انهيار السودان خطر انهيار السودان



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt