توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سوريا... الاختبار القاسي

  مصر اليوم -

سوريا الاختبار القاسي

بقلم:جمال الكشكي

سوريا لا تستحق ما يجري فيها الآن من اقتتال، وفتن، واعتداءات إسرائيلية، وتدخلات إقليمية، فكل ذلك سيؤثر على استقرارها أولاً، واستقرار الإقليم ثانياً، ويصنع أزمة مزمنة، كأزمة القضية الفلسطينية التي بدأت هكذا في بداية القرن العشرين الماضي، وانتهت إلى ما نحن فيه.

نعرف أن سوريا غنية بالأعراق، والثقافات، والطوائف، والأفكار، وكل ذلك يعد مصدراً من مصادر الثراء الإنساني، ولا يمكن أن يتحول الغنى إلى مأساة.

في السويداء، وقع الاصطدام، وتاهت البوصلة الوطنية السورية. سقط ضحايا من الطرفين، من أبناء جبل الدروز، والقبائل العربية، على رغم أنهما عاشا معاً مئات السنين في الأرض نفسها، ودائماً ما كان جبل الدروز مدافعاً عن سوريا بالكامل، ضد الغزاة والاستعمار، والتاريخ شاهد حي على دور سلطان باشا الأطرش، وكذلك القبائل العربية التي كانت حصناً منيعاً للهوية والثقافة العربيتين على مدى قرون طويلة. والوطن السوري هو الجامع الكبير.

هل يعقل هذا؟ ترتفع البنادق في وجوه إخوة الدم والوطن، إنه لأمر مقلق وخطير.

على السوريين بشتى أعراقهم وطوائفهم، أن يدركوا أن هناك قوى دولية ترنو إلى سوريا الحالية، كأنها غنيمة حرب، بعضها يريد السيطرة عليها، والبعض الآخر يرغب في تمزيقها بحرب أهلية مفتوحة.

سوريا لم تكن بلداً على هامش التاريخ، ولا فائضاً عن الجغرافيا، بل كانت في قلب الحضارات القديمة الحية، من حضارة أوغاريت، وتدمر، إلى دمشق أقدم مدن العالم المستمرة منذ اثني عشر ألف سنة، دائماً كانت سوريا حاضرة في صناعة العقائد والأديان والأفكار، ومعبراً مفتوحاً للثقافات العالمية.

من ينظر إلى سجلات التاريخ يتوقف أمام محطات صاغت وجدان البشرية بالكامل، ومن دون أن نخوض في التاريخ، فإن كل الحركات السياسية والثقافية، والاجتماعية الحديثة، خرجت من بلاد الشام مع نهاية القرن التاسع عشر، وبصمات سوريا محفورة في كل المدن العربية التي نهضت مع بداية القرن العشرين.

إذا نظرنا إلى الأثر الثقافي السوري على مستوى العالم، فسنجد الشعراء، والكتاب، والروائيين، ورجال الأعمال، جميعاً ينتمون إلى طوائف وأعراق شتى، منهم الدرزي، والعلوي، والمسيحي، والإسماعيلي، والكردي، والسني، والإيزيدي، والآشوري، أعراق وأديان شتى، لكنها أحفاد وطن واحد.

إن ما جرى في السويداء يوم 13 يوليو (تموز) 2025، إنما يمثل إشارة واختباراً قاسياً للتعايش بين أفراد البلد الحضاري الواحد، أعترف أن هناك تاريخياً مماحكات كالتي تجري في جميع أنحاء العالم، مناطقياً وجهوياً، لكنها لا ترقى إلى حمل السلاح بين الإخوة والأشقاء، فقد سقط على مدى ثلاثة أيام ضحايا، يربو عددهم على المئات، وحدث تهجير قسري، وهروب من المناطق التي وقعت فيها الأحداث، وصل إلى الآلاف، حسب تقارير الأمم المتحدة. والأخطر هنا أن إسرائيل تجاوزت جميع الخطوط الحمر، واستغلت الأحداث السورية - السورية، واعتدت على المؤسسات الاستراتيجية للدولة السورية، في محاولة لتفكيك الدولة السورية طائفياً، واستكمال مشروعها التوسعي في الجنوب السوري، بهدف صناعة ممرات تشق الأراضي السورية، إلى أبعد نقطة تصل إليها أحلام إسرائيل، كممر داوود الاقتصادي، وممر صوفا 53 العسكري، والاقتراب من خرائط إسرائيل التوراتية.

وبحق ردت الدولة السورية على هذا المخطط، بأنها لن تسمح بالتقسيم على أساس طائفي، فليس خافياً أن الولايات المتحدة الأميركية تحركت لوقف العدوان الإسرائيلي، وكذلك تحركت دول عربية على عجل، إدراكاً منها أن إسرائيل تخلط الأوراق، وتريد أن تضع سوريا في مأزق وجودي، ينعكس على خرائط المنطقة بالكامل، بل إن إسرائيل تريد خلق قضية مزمنة جديدة، تستقطع بها الوقت لتنفيذ مخططاتها الخطيرة، فهي تستخدم فلسفة التجريب في تركيبة اجتماعية حساسة، مثل الحالة السورية المتعددة، والمختلفة والمتفردة.

وسط هذه الأمواج الدموية، والقلاقل المستقبلية التي تحاك للشعب السوري، فإن ثمة سؤالاً يطرح نفسه: كيف يمكن إنقاذ سوريا من هذا الاختبار القاسي الذي قد يفضي إلى تلاشي وجود الدولة والأمة السورية؟

حقيقة أتذكر مقولة الرئيس السادات حين قال: «ارفعوا أيديكم عن لبنان»، ولعلى هنا أقول بكل ثقة: «ارفعوا أيديكم عن سوريا»، فسوريا الممزقة أخطر على الإقليم العربي والعالم من سوريا الدولة الوطنية لكل الأبناء، ولذا ألمح فرصة للتعامل مع هذا الاختبار القاسي، إذ يتطلب حكمة وسياسة رشيدة، وتحركات سريعة، من جميع الأطراف المنغمسة في الشأن السوري، داخلياً وخارجياً، فسوريا المستقرة علامة على حيوية التاريخ وقوة الجغرافيا، فلا تتركوها فريسة للعبة الأمم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا الاختبار القاسي سوريا الاختبار القاسي



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt