توقيت القاهرة المحلي 14:26:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مؤشرات ومشاعر!

  مصر اليوم -

مؤشرات ومشاعر

بقلم: د. محمود محيي الدين

في مثل هذا الوقت من كل عام تتدفق التقارير من الحكومات والشركات والمؤسسات الدولية ومراكز البحث والنشر عن أداء ما جرى خلال العام وتوقعات عام مقبل. ومما يلفت النظر أن المؤشرات الاقتصادية الكلية مثل معدلات التضخم، والنمو الاقتصادي، والبطالة عندما يذكر المسؤولون تحسناً في مؤشراتها تقابَل في أحوال كثيرة برفض واستهجان من عموم الناس. ولهذا التناقض أسباب يحسن بالمسؤولين إدراكها وتداركها؛ حتى لا تتسع الفجوة بين ما يُعلَن من أرقام وما يُدرَك من دلالاتها، وحتى لا تستشري الفجوة بين متخذي القرار والمتأثرين به.

وفي دراسة صدرت في عام 2024 للاقتصاديين الزملاء في «معهد بروكنغز» ريان كامينز، وبن هاريس ونيل ماهوني عن أسباب التناقض بين مؤشرات الاقتصاد الكلي الأميركي وشعور الأفراد بمستويات معيشتهم، أظهرت مؤشرات البطالة أنها أقل من متوسطاتها منذ مطلع القرن، والاقتصاد أظهر نمواً حقيقياً ملموساً، كما أن الأجور زادت بمعدلات أعلى من التضخم. فما هو السبب في الانفصال الملحوظ بين مقاييس انطباعات المستهلكين، مثل رقم ميشيغان القياسي الشهري لشعور المستهلكين المعمول به منذ عام 1978، ومؤشرات ثقة المستهلكين التي تصدر منذ عام 1967، عن المؤشرات الاقتصادية الكلية؟

وتذهب نتائج تتبع الفجوة بين شعور المستهلكين من المواطنين والمؤشرات الاقتصادية الكلية إلى العوامل الآتية لتفسيرها، والتي يمكن أن تعين، إلى حد ما، في تفسير ظواهر مماثلة في بلداننا:

أولاً: الأثر السلبي المستمر للتضخم رغم تراجعه، ففي حين يركز المؤشر الاقتصادي الكلي على معدل ارتفاع السعر وقد يحتفي المسؤولون بانخفاض معدل ارتفاعه، ولكن المستهلك معني بالأساس بمستوى السعر نفسه الذي لم ينخفض.

ثانياً: إن تقدير المستهلك السلبي لزيادة الأسعار قد يكون أكبر من تقديره الإيجابي لزيادة دخله، بافتراض حدوث زيادة دخل تفوق زيادة أسعار ما يستهلكه.

ثالثاً: الانحياز الإعلامي السلبي عن الاقتصاد؛ إذ تشير دراسة مشتركة للاقتصادي جولز فان بينسبيرجين عن الأخبار الاقتصادية على مدار قرنين، إلى أنها تنزع للسلبية منذ عام 1960.

رابعاً: الانحياز السياسي، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى انحياز سلبي أكبر للمواطنين من الحزب المعارض للحكم لا للمتغيرات الاقتصادية الجارية ذاتها، كما أن توقعاتهم أسوأ عن مستقبل الاقتصاد. وفي دراسة تطبيقية أجريت عام 2023، مقارنة بين الجمهوريين والديمقراطيين، أظهرت أن «الجمهوريين يشجعون بصوت أعلى ويستهجنون بضجيج أكبر».

ذكرت أن هذه التفسيرات للحالة الأميركية قد تفيد إلى حد ما، في غياب دراسات مماثلة، في فهم ظاهرة التناقض بين المؤشرات الاقتصادية الكلية حال تحسنها وشعور المواطنين في بلدان نامية. فالوضع في البلدان النامية ذو اختلافات بيّنة يجب استجلاؤها؛ حتى لا ينبري البعض بادعاء أن ما نراه من تناقض ليس مختلفاً عما قد نجده في «أميركا وربما أوروبا وبلدان متقدمة أخرى».

وأول الاختلافات في البلدان النامية، أن كثيراً منها لا يتوفر بها مؤشرات دورية رقمية معلنة عن انطباعات المستهلكين وشعورهم، كتلك التي تستعين بها مثل هذه الدراسات التي أشرت إليها. وثاني الاختلافات، أن المؤشرات الاقتصادية الكلية في أحوال كثيرة تعاني تأخراً في إصدارها في البلدان النامية، وهي بطبيعتها مؤشرات متباطئة ذات نظرة للوراء في بحثها عما كان في فترة زمنية سابقة ولا تلاحق الانطباعات الراهنة للمستهلكين. وثالث الاختلافات، هو ارتفاع حالات الفقر المدقع وسوء توزيع الدخل بما يجعل حالات التحسن النسبي، إن هي حدثت فعلاً، ذات أثر متباين على عموم المواطنين وفقاً لنصيبهم من الدخل والثروة. ورابع الاختلافات، هو مدى مصداقية الخطاب العام في التعامل مع الأرقام الاقتصادية التي تصيبها موبقات الإنكار للواقع والتهوين من الآثار في حالات تراجع الأداء، ثم تصيبها آفات المبالغة في التكرار والتهويل من الإنجازات في حالات التحسن النسبي.

ربما التبس الأمر على بعض المسؤولين في تفسير وممارسة مقولة منسوبة للقائد الفرنسي نابليون بونابرت مفادها أن «القائد هو تاجر أمل»، فالمقصود بهذا الأمل حتماً ليس درباً من دروب الخيال، أو وعوداً واهية. والأخطر أن يصدق المسؤول ما يروّجه فيرتد إليه عمله بما يعقّد مسارات سعيه.

والفيصل في هذا الأمر هو الاستناد إلى المعايير المعتمدة: فالمعايير وظيفتها القياس بانضباط واتساق، كما تهدف إلى تحقيق التوافق من دون تفاوت وانفلات، كما تهدف إلى تحديد نقطة مرجعية لنوعية الأداء. ولخطورة موضوع المعايير؛ خصص له البنك الدولي تقريره السنوي عن التنمية في العالم لعام 2025، الذي صدر مؤخراً تحت عنوان «معايير للتنمية». ويدعو هذا التقرير إلى تبني البلدان النامية المعايير والتوافق معها وتطويرها وهي في سبيلها لتحقيق التنمية؛ ضارباً الأمثلة بتجارب ناجحة من الشرق والغرب في اعتماد المعايير والمقاييس مكوناً غير منظور من مكونات التحديث، لا تقل أهمية عن المكونات المنظورة كشبكات الطرق والمواني وسائر البنية الأساسية.

وفي استعراض التقرير للمعايير ودورها في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية، لم يفته التأكيد أن المعايير يمكن البناء عليها في دفع النمو وزيادة الكفاءة، وأن التنمية هدفها في النهاية الارتقاء بمستوى معيشة الفرد بما يقضي على معضلة التعارض بين المؤشرات الكلية، وما يشعره المواطن إذا حققت المعايير ارتقاءً بالخدمات، خاصة التعليم والصحة. كما أنه من شأن المعايير أن تعين في إدارة المخاطر، وزيادة القدرات الحكومية في إنجاز عملها وضبط أولوياتها بما يضيّق الفجوة بين الأداء الاقتصادي الكلي وما يستفيد به المواطن ويشعر به.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مؤشرات ومشاعر مؤشرات ومشاعر



GMT 10:10 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

“حكومة التعريفة” ولغز النفط وتسعير مشتقاته

GMT 10:08 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

فستان الرَّئيس «السَّابق»

GMT 10:06 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

ذاكرة شفوية منقوشة في جدار الزمن

GMT 10:05 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

حضرموت... هدف أم طرف؟

GMT 10:04 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

قانون «الفجوة» ومرتكبو الجرائم المالية!

GMT 10:02 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

صفقة الغاز المصرية ــ الإسرائيلية

GMT 10:01 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

أهداف إسرائيل وحسابات سوريا الجديدة

GMT 09:58 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

البقاء للأذكى

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 08:02 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

كامل إدريس يدعو من مجلس الأمن إلى وقف شامل للنزاع في السودان
  مصر اليوم - كامل إدريس يدعو من مجلس الأمن إلى وقف شامل للنزاع في السودان

GMT 00:48 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحكم بالمؤبد والمشدد على 5 رجال أعمال في تنظيم الإخوان
  مصر اليوم - مصر تحكم بالمؤبد والمشدد على 5 رجال أعمال في تنظيم الإخوان
  مصر اليوم - تسلا تواجه انتقادات بعد وفيات ناجمة عن أعطال أبواب السيارات

GMT 08:13 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مأساة أم مصرية تشعل مواقع التواصل بعد عرض أطفالها للبيع
  مصر اليوم - مأساة أم مصرية تشعل مواقع التواصل بعد عرض أطفالها للبيع

GMT 08:44 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 08:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الحمل الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:52 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الدلو الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:49 2019 الأربعاء ,06 شباط / فبراير

نرمين الفقي تكشف عن" فارس أحلامها" للمرة الأولى

GMT 20:54 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

المنتخب ينصح إكرامي بالمشاركة أو الرحيل عن الأهلي

GMT 23:44 2019 الخميس ,08 آب / أغسطس

توتنهام الإنجليزي يخسر من إنتر الإيطالي

GMT 10:58 2019 الأربعاء ,24 تموز / يوليو

سعر المانجو في مصر اليوم الأربعاء 24-7- 2019

GMT 14:55 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

خواتم خطوبة ستخطف أنفاسك من أول نظرة

GMT 09:53 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

وفاة شقيقة الفنانة أمينة

GMT 23:39 2019 الأحد ,07 تموز / يوليو

الساعات الملونة آخر موضة صيف 2019
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt