توقيت القاهرة المحلي 10:27:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن عالم ترمب وعوالم أخرى... عودة أخرى

  مصر اليوم -

عن عالم ترمب وعوالم أخرى عودة أخرى

بقلم: د. محمود محيي الدين

كانت بداية هذا الشهر بإعلان الرئيس الأميركي ترمب عن فرض تعريفات جمركية على الدولتين الجارتين المؤسستين مع الولايات المتحدة، في عام 1992، لاتفاقية «النافتا»، التي ألغت التعريفة الجمركية عن السلع الداخلة في التجارة بين البلدان الثلاثة، كما ألغت تدريجياً القيود التي كانت مفروضة على حركة التجارة والاستثمار بينها. عُدّلت الاتفاقية في فترة حكم ترمب الأولى بمبادرة منه، بعدما وصفها بأنها الأسوأ في تاريخ الولايات المتحدة، بما يستدعي تعديلها وهو ما حدث. استمرت الاتفاقية الجديدة، المعروفة بحروفها الأولى المنسوبة للبلدان الثلاث «يو إس إم سي إيه»، في نهج الأولى مع تعديلات زيادة فرص التصنيع الأميركية للسيارات والتحقق من قواعد المنشأ التجارية، وتطوير القواعد المنظمة لسوق العمل، وحررت سوق منتجات الألبان، وطورت المواد المتعلقة بقطاع التكنولوجيا والتحول الرقمي، كما دعمت من الاشتراطات البيئية، ودخلت حيز التنفيذ في عام 2020.

حققت التجارة البينية للولايات المتحدة فائضاً لصالح المكسيك بلغ 157 مليار دولار، بينما حققت كنداً فائضاً بلغ 55 مليار دولار، بما جعلهما هدفاً لتهديد الرئيس ترمب باستخدام سلاحه الغاشم البتار الذي لوّح باستخدامه أكثر من مرة، ألا وهو زيادة التعريفة الجمركية. فإذا كان هناك ما يؤرقه من هجرة غير شرعية أشار إليه؛ فإذا ما تردد حديث عن مجرد تفكير لدول الـ«بريكس» في عملة لها قد تستغني بها، ولو جزئياً، عن الدولار صرح بأن التعريفة الجمركية ستثنيهم عن هذه الفعلة؛ وإذا ما نما إلى علمه زيادات في وفيات الأميركان من تعاطي مخدرات الفينتانيل القاتلة المهربة عبر الحدود لم يجد في جعبته إلا زيادة التعريفة الجمركية.

وقد صرح الرئيس الأميركي في أكثر من مناسبة بأن التعريفة الجمركية ستتحمل البلدان الواقعة عليها أعباءها، وستشجع التصنيع المحلي وستجبر المصدرين إلى أميركا بتصنيع ما يصدرونه فيها، كما ستحقق دخلاً للخزانة العامة سيعوض في تقديره نقصان الإيرادات العامة إذا ما قرر تخفيض الضرائب. وكل هذه المزايا مطعون على صحتها بالأدلة الاقتصادية الدامغة. فضرر زيادة التعريفة الجمركية يتجاوز نفعها. وحتى إن قاس من يتبناها مزاياها بمنطق أن لها أضراراً، ولكن الخصم سيكون أكثر تضرراً منها، لكن الأوضاع الحالية للاقتصاد الأميركي ستجعل الضرر عليه بالغ السوء. فهو لم يبرأ بعد من التضخم وتداعياته ويعتمد مستهلكوه على سلع صينية، التي أعلن الرئيس ترمب أنه سيفرض 10 في المائة تعريفة جمركية إضافية عليها، فضلاً عن إسهام كندا والمكسيك بسلع تتمتع بمزايا نسبية في إنتاجها كان نصيبها من الإعلان الرئاسي 25 في المائة زيادة في التعريفة الجمركية.

على النحو الذي تم إعلانه، فنحن بصدد بداية لحرب اقتصادية عالمية بتداعيات سلبية على معدلات التضخم ومن ثم أسعار الفائدة مع تراجع في معدلات النمو الاقتصادي. ولهذه الحرب آثار محتمة في الأجل القصير على البلدان النامية التي ستتعرض لمخاطر تقلبات في أسعار الصرف وارتفاع تكاليف التمويل مع زيادة احتمالات إغراقها بسلع مستوردة.

أما عن الآثار في الأجلين المتوسط والطويل، فهناك تداعيات لهذه السياسات الحمائية على بلدان عالم الجنوب فما حققه بعضها من إنجاز في التنمية وزيادة فرص العمل ومكافحة الفقر منذ التسعينات من القرن الماضي، لم يكن إلا بفضل التوسع في تجارته الدولية تصديراً واستيراداً لمكونات الإنتاج وزيادة التنافسية لتحسين نوعية السلع المنتجة والخدمات المقدمة محلياً وللتصدير؛ وهو ما جذب إليها استثمارات محملة بتمويل لمشاريعها وتكنولوجيا متطورة.

وإذا ما كانت منافع التجارة الدولية حيوية للاقتصادات الأكبر حجماً فهي لا غنى عنها للبلدان التي تعاني صغر الأسواق، بما لا يمكنها من توليد فرص عمل أو زيادة دخول سكانها اكتفاءً بمواردها المحلية. فلا بديل لها عن زيادة فرص التصدير والاستثمار لدفع النمو، ولن تؤثر إجراءات إحلال الواردات في علاج اختلالات موازين التجارة والمدفوعات إلا في القطاعات التي تتمتع بها البلدان بمزايا نسبية وتنافسية ممكنة لها من ذلك. فالبلدان النامية التي اتبعت سياسات صناعية في إطار استراتيجيات متكاملة للتنمية، بتمويل منضبط لاستثماراتها حقق لها نمواً مرتفعاً، بما هيأ لها الانتقال من حدة الفقر المدقع إلى مراتب متقدمة في الاقتصاد العالمي.

وفي ظل هذه التوترات والصراعات الجيوسياسية أصبح التعاون الدولي المنشود بطيئاً قليل التمويل، معوقاً لتطوير المؤسسات المالية والتنموية الدولية، مضعفاً لحوكمتها، وقدرتها على القيام بمهامها في مكافحة الفقر ومعاونة الدول النامية في التعامل مع الأزمات. ولك أن تطلع على التقرير الجديد لمركز التنمية العالمية بواشنطن تحت عنوان «مستقبل المساعدات الإنمائية الرسمية» لتعلم ما يتعرض له العون الإنمائي من تحديات مبدلة لمساره - وقد صدر هذا التقرير قبل التطورات الأخيرة - التي لم تكتمل معالمها بعد - لهيئة المعونة الأميركية.

يحاول الاقتصاديون وعلماء السياسة التنقيب في التاريخ بما يعين على فهم الهوجة الترمبية، فمنهم من يشبهها بالقرار الأحادي للخروج من اتفاق «بريتون وودز» في عام 1971 بمنع تحويل الدولار تلقائياً إلى الذهب، فيما عُرِف بـ«صدمة نيكسون». ومنهم من يقارن الإجراءات الحالية والتهديد بغيرها بسلسلة المناوشات والحروب التجارية التي كان أسوأها ما جرى في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، ومن أشهرها ما يُعرَف بقانون التعريفة الجمركية «سموت – هولي» لعام 1930، ويعزى إلى هذه الإجراءات الحمائية ما وصل إليه الاقتصاد العالمي من أزمة الكساد الكبير، التي لم يفق منها الناس إلا بطبول الحرب العالمية الثانية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن عالم ترمب وعوالم أخرى عودة أخرى عن عالم ترمب وعوالم أخرى عودة أخرى



GMT 10:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل سوريا بين إسرائيل… وأميركا وتركيا

GMT 10:22 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيز إسرائيل على طبطبائي… لم يكن صدفة

GMT 10:20 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

خطورة ترامب على أوروبا

GMT 10:15 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

المفاوض الصلب

GMT 10:12 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مشكلتنا مع «الإخوان» أكبر من مشكلات الغربيين!

GMT 10:07 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

إعلان الصُّخير... مِن «دار سَمْحين الوِجِيه الكِرامِ»

GMT 10:04 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

اصنعوا المال لا الحرب

GMT 09:57 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

توسعة الميكانيزم... هل تجنّب لبنان التصعيد؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt