توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن عملات مستقرة وغير مستقرة

  مصر اليوم -

عن عملات مستقرة وغير مستقرة

بقلم: د. محمود محيي الدين

بدافع الرغبة في استمرار الهيمنة على سوق العملات الصعبة، ذكَّرتنا شبكة «رويترز» الإخبارية منذ أيام ببعض مبررات الإدارة الأميركية الحالية بمساندة إصدار ما يعرف بالعملات المستقرة. حيث أوضح ديفيد ساكس المكلف شؤون الذكاء الاصطناعي والمشفرات بالبيت الأبيض، بعد أيام من تولي الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقاليد الحكم، أن الدعم المطلق للعملات المستقرة -المساندة بالكامل بالدولار - «من شأنه تأكيد سيطرة الدولار الأميركي دولياً، وزيادة استخدام الدولار رقمياً، ومن خلال ذلك سيوجد طلب على الدولار بما يعادل تريليونات من مشتريات أذون الخزانة والسندات الأميركية؛ ما من شأنه تخفيض أسعار الفائدة على الأجل الطويل». وسعت الإدارة الأميركية لإصدار التشريع المعروف الآن بقانون «جينيوس» بمعنى عبقري، وهو مختصر الحروف الأولى لتشريع هو الأول من نوعه للأصول الرقمية، والصادر في 17 يوليو (تموز) من هذا العام بعنوان «إرشاد وتأسيس الابتكار الوطني للعملات المستقرة الأميركية».

ومن المزايا الاقتصادية للعملات المستقرة انخفاض تكلفة المعاملات عبر الحدود، وسرعتها من دون الاعتماد على نظام السويفت، أو وسطاء نقل الأموال بتكاليفهم الباهظة وما يستغرقونه من وقت. ولكن، هناك مخاطر الدولرة من خلال هذه العملات المستقرة، حيث ستواجه البنوك المركزية رافداً جديداً للتدفقات المالية الأجنبية لا يخضع لسيطرتها، ويجعل إدارتها للسياسة النقدية أكثر صعوبة. كما أن هذه الأصول المالية المشفرة يمكن تداولها خارج القنوات المراقبة من البنوك المركزية.

فما بالنا وهذه العملات سيتم التوسع في إصدارها والطلب عليها، فكما يتنبأ ستيفن ميرين، العضو المعين مؤخراً من قِبل الرئيس ترمب في مجلس محافظي البنك الفيدرالي، بأن العملات المستقرة ستصل إلى ما بين تريليون و3 تريليونات دولار مع حلول عام 2030؛ ارتفاعاً من 300 مليار دولار في الوقت الراهن. هي أرقام لا يمكن تجاهلها بخاصة أن أغلب الاحتفاظ بها سيكون خارج الولايات المتحدة.

وتداول هذه العملات والاحتفاظ بها سيكون يسيراً عبر تكنولوجيا «سلسلة الكتل» أو البلوك تشين بحرية مطلقة بما يتجاوز نظم الدفع الوطنية وآليات تسوية المعاملات وقوانين سعر الصرف. وإذا لم تتنبه السلطات النقدية فستجد نظامها النقدي والمالي جزئياً ثم تدريجياً خارج نطاق سيطرتها، بما لا تجدي معه النظم المتقادمة لتقييد حركة رؤوس الأموال عبر الحدود معها نفعاً، بخاصة للبلدان التي عانت من الدولرة، لتراجع عملاتها المحلية في القيام بوظائفها في الاحتفاظ بقيمة النقود بسبب معدلات التضخم المرتفعة، وانخفاض الاعتماد عليها في حساب القيمة، وتسوية المعاملات.

فلطالما أكدت أن الخطوة الناجعة للتعامل مع العملات الصعبة بأنواعها، وكذلك أشكالها القديمة أو الجديدة، يجب أن تبدأ بألّا تكون العملة الوطنية سهلة في بلدان إصدارها أصلاً، فآفة العملات المحلية السهلة قد تفاقمت بالتوسع في الاستدانة، واشتعال التضخم ارتفاعاً وتراجع النمو بانخفاض الإنتاجية وتدهور التنافسية تشغيلاً واستثماراً وتصديراً.

وأعرف في المقابل العملة الصعبة، بغض النظر عن شكل إصدارها ورقياً كان أو رقمياً أو مشفراً بأنها عملة دولية التداول، لها قبول وقوة إبراء عبر الحدود. حقاً ارتفعت معدلات التضخم في الاقتصاد الأميركي بعد موجة التيسير النقدي، مع تخوف من وقوعه في ركود بسبب السياسات الاقتصادية غير التقليدية والحروب التجارية، وما أصاب سوق العمل من ضحالة بعد تقييد حركة العمالة الوافدة، وضعف الارتباط بين النمو الاقتصادي والتشغيل، رغم ذلك كله فالدولار ما زال مسيطراً على معاملات الاقتصاد العالمي لأكثر من سبعة عقود. فنحو 90 في المائة من معاملات النقد الأجنبي تتم بالدولار، وكذلك تسوية المعاملات التجارية بما يتجاوز 70 في المائة في آسيا و95 في المائة في الأميركتين، فضلاً عن أن 58 في المائة من احتياطات البنوك المركزية ممثلة في أصول مالية دولارية.

وفي مستقبل العملات المستقرة جدل تحسمه الإجابة عن أسئلة مهمة، لا شك أنها ستشغل اهتمام البنوك المركزية وعموم الناس:

- هل يصدق وصف العملة بالمستقرة من دون اعتبار للاستقرار في المدى الطويل للعملة المساندة لها؟

- ألا ينبغي التمييز بين العملات المستقرة المقومة بالدولار وفقاً لتوفر الضمانات المساندة؟ فمنها ما هو مضمون بالكامل، ومنها ما هو مضمون جزئياً ومنها المتداول بلا ضمان.

- ما هو مستقبل عملات البنوك المركزية الرقمية، وعلاقتها بالعملات المستقرة؟

- ما هي احتمالات نجاح البنك المركزي الأوروبي في رقمنة اليورو، وإمكانية توسعه النقدي دولياً باعتبار اليورو العملة الثانية دولياً للاحتياطي، رغم تراجع تنافسية اقتصاده وفقاً لتقرير ماريو دراجي الشهير الذي وصف فيه الاتحاد الأوروبي بأنه يواجه أزمة وجودية؟

- ما هي آفاق تدويل اليوان أو الرينمينبي الصيني، بخاصة بعد تطوير تكنولوجية رقمنته وتشفيره والتوسع في المشاركات الدولية الثنائية لاستخدامه؟

- ما هو تأثير التوسع في العملات المستقرة على ودائع البنوك؟

- وما هو الأثر على تحويلات العاملين بالخارج؟

- ما هو تأثير التوسع في العملات المستقرة على احتكار ريع الإصدار النقدي من قِبل البنوك المركزية؟

- ما هي الآليات المتاحة للبنوك المركزية في ظل هذه المستجدات لإدارة السياسة النقدية، والانضباط المالي، والتحكم في التدفقات المالية الدولية؟

قد يتغير وضع الدولار مستقبلاً ويزاح عن عرشه كما أزيح الجنيه الإسترليني والغيلدر الهولندي عن عرشيهما من قبل، ولكن في الوقت الراهن ما زالت هناك هذه الهيمنة الدولارية التي يراهن أنصار الدولار على أن وثبة تكنولوجيا العملات المستقرة ستعززها، بما يتطلب الإجابة عن هذه الأسئلة الحرجة في مقالات قادمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن عملات مستقرة وغير مستقرة عن عملات مستقرة وغير مستقرة



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt