توقيت القاهرة المحلي 03:46:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

معيار هوبز لنشوء حربٍ أهلية

  مصر اليوم -

معيار هوبز لنشوء حربٍ أهلية

بقلم : فهد سليمان الشقيران

قبل أيام، عصفت المروحة السياسية الأميركية بلبنان وجيرانه، مشهدٌ سياسي صارم مصحوب بنقاشٍ محتدم، عاصفةٌ سياسية لم يهدأ غبارها حتى الآن. النقاشات القويّة بين اللبنانيين من جهةٍ واللبنانيين والأميركيين من جهةٍ أخرى كانت حامية، وما من أفقٍ واضح. وبغضّ النظر عن الاشتقاقات اللغوية في تعريف ورقة نزع السلاح، فإن بوادر تنفيذها بدأت تدريجياً.

حتى كتابة هذه المقالة، ثمة تسليم للسلاح من مخيّم البص في صور، يتبعه تسليم آخر في برج البراجنة وغيرها.

تسلّم سلاح المخيمات الفلسطينية يعني أن ثمة عزماً حكومياً بانسحاب ذلك على سلاح «حزب الله»، ولكن السؤال الأساسي: هل هذا الفضاء المحتقن سينتهي بعد موافقة الحزب على التنفيذ؟!

إن استعمال مفردة «الحرب الأهلية» من أمين عام «حزب الله» لم تكُن اعتباطية؛ بل هي العمود الفقري للممارسة الميدانية وأسّ نظري في خطابه لأتباعه.

إن فكرة الحرب الأهلية مطروحة باستمرار لدى الأحزاب الانفصالية باعتبارها عنوان بقائها الأبرز، إنها الرصاصة الأخيرة في جوف الذخيرة. ومن دون الاستعداد لمثل هذا التحدّي والتهديد، فلن نستبعد أن يصبح الناس على حدثٍ يشعل الحرب تحت شعاراتٍ عقائدية وانتقامية.

من الناحية النظريّة احتمالات الحرب الأهلية تكون عالية مع تضاؤل الدولة وتضعضعها. كل ضعف للدولة مظنة لإيقاظ النعرات والنزعات والنزوات الفردية والأقلّوية والقبلية والعرقية، هذه هي خلاصة التجربة البشرية.

يبوّب كل ذلك الفيلسوف الإنجليزي توماس هوبز الذي عاصر الحرب الأهليّة الإنجليزية في القرن السابع عشر، وألهمتْه في فلسفته السياسية، حيث كتب عنها مؤلفين ولعنوانيهما رمزية فلسفية، فالأول: «اللفياثان» 1651 ويرمز لحيوان بحري خرافي له رأس تنين وجسد أفعى، وقد ورد في الكتاب المقدّس. الثاني: «بَهِيمُوث» 1668 وهو اسم وحشٍ آخر من العهد القديم يظهر في سفر أيوب.

في كتابه: «اللفياثان» كتب هوبز فصلاً بعنوان: «في أسباب إضعاف الدولة أو انحلالها»، يقول: «عندما ينتصر الأعداء، بحيث تفقد قوات الدولة السيطرة الميدانية، وذلك خلال حربٍ خارجية أو داخلية، ولم تعُد نزاهة الأفراد تؤمّن حمايتهم، يؤدي ذلك إلى انحلال الدولة، حينئذٍ يصبح لكل فردٍ حق حماية نفسه عبر اختيار الأساليب الصادرة عن تقديره الخاص. في الواقع يشكّل الحاكم المطلق الروح العامة التي تمنح الحياة والحركة إلى الدولة، وبما أن الدولة أصبحت ميتةً، يعني ذلك أن أطرافها لم تعُد تحت سيطرتها». (ص: 329).

هذه الجمل المكتوبة في القرن السابع عشر تمنحنا الدرس التاريخي الذي نكتشف عبره موعد الحرب الأهلية؛ المعادلة بسيطة، كل ضعفٍ في الدولة يؤدي إلى عودة الإنسان إلى ما يسميه هوبز حالة ما قبل الطبيعة، أي ما قبل التعاقد البشري بحيث يغزو الكل الكل، ويعود الإنسان من دولته إلى ظلّه، ومن وطنه إلى غريزته وسلاحه، ومن هنا تأتي الكارثة.

كل ما يعاش الآن من صراعاتٍ آيديولوجية وطائفية سببه ضعف التأسيس لمفهوم الدولة لدى العديد من المجتمعات العربية التي تآكلت نُظُمها بسبب الفساد، واللهو بالقضايا البعيدة، والتوغّل في الآيديولوجيات البعثية والاشتراكية واليسارية، ونظريات المؤامرة، وإعلانات المقاومة. انتماءات وممارسات أرهقت المجتمعات المنكوبة، فهم بين نارين موقدتين، نار تصلى المتفائلين الذين يريدون تحقيق أحلامهم، ونار المتشائمين اليائسين الذين ينتظرون مصيرهم، إنها رحلة الـ«بيْن بيْن» المرهقة.

الخلاصة؛ أن قوّة الدولة تكمن في بسط سيطرتها، وأي تآكل لمؤسساتها يعني اشتعال المجال العام، وتفسّخ المجتمع وعودته إلى غرائزيته ووحشيته، هكذا علّمتنا التجربة البشرية.

النقطة التي أختم بها أن الحزب حتى لو سلّم سلاحه يبرز سؤالٌ أساسي: من سينزع أفكاره؟!

إنها رحلة طويلة من أجل تجاوز كل هذا الهشيم، وإعمار ما سببتْه الأفكار الانتحارية من قتلٍ وتهجيرٍ وخراب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

معيار هوبز لنشوء حربٍ أهلية معيار هوبز لنشوء حربٍ أهلية



GMT 07:16 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

«حزب الله» خسر الحرب ويريد الربح في السياسة!

GMT 07:13 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

رياح الكرة الإفريقية من شرقية إلى «غربية شمالية»

GMT 07:07 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

المتحف المصرى بالتحرير.. هل غابت شمسه؟

GMT 07:03 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

«الست»

GMT 07:01 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

«الانتقالي» فتح عشَّ الانفصاليين

GMT 06:56 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

عذابات الملياردير الرقمي!

GMT 06:52 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

صهيونيّتان وإسرائيلان؟!

GMT 06:49 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

عن توقيت المعارك

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 03:13 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

النوم الهادئ لا يعتمد على الدماغ فقط بل يبدأ من صحة الأمعاء
  مصر اليوم - النوم الهادئ لا يعتمد على الدماغ فقط بل يبدأ من صحة الأمعاء

GMT 16:37 2025 الأحد ,21 كانون الأول / ديسمبر

تسلا تكشف عن روبوتها الشبيه بالبشر اوبتيموس في برلين
  مصر اليوم - تسلا تكشف عن روبوتها الشبيه بالبشر اوبتيموس في برلين

GMT 16:37 2025 الأربعاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

صندوق النقد يحث الصين على إصلاحات هيكلية عاجلة لتعزيز النمو

GMT 08:55 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الأسد الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:56 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 09:00 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

جرح فلسطين المفتوح

GMT 10:52 2020 الخميس ,19 آذار/ مارس

منة عرفة تكشف حقيقة ارتباطها بـ علي غزلان

GMT 22:21 2018 الجمعة ,06 تموز / يوليو

مصر تشارك في قمة "بريكس" في جنوب أفريقيا

GMT 20:12 2013 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

مجسم "الهنتيكة" في أسيوط لغز محيِّر لم يعلم سره أحد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt