توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صراع العقارب في إيران

  مصر اليوم -

صراع العقارب في إيران

بقلم - محمد الرميحي

بعد الاشتباك الأخير مع إسرائيل شاع حديث صراع العقارب في طهران. وربما أخطر ما يواجه النظام ليس التهديد الخارجي من إسرائيل أو من الغرب، بل هو التآكل الداخلي على خلفية صراع الأجنحة، وتآكل شرعية النظام...

يمثل النظام الإسرائيلي والإيراني قطبي الخطر على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. وإذا كان النظام الأول هو نظام استيطاني، طال الصراع معه حتى الساعة، فإن النظام الإيراني هو نظام توسّعي، يشكّل مخاطر ثابتة تجاه الأمن في منطقة الشرق الأوسط.

من يتأمل المشهد السياسي الإيراني بعمق يدرك أن النظام القائم ليس كتلة صلبة متجانسة، بل أقرب إلى حلبة مغلقة، تدور فيها مواجهات دائمة بين "العقارب" أي القوى المتصارعة داخل بيئة الحكم. ورغم أن هذا الصراع أيضاً موجود في الأجنحة الحاكمة الإسرائيلية، فإن الفرق المهمّ هو أن في إسرائيل آلية ما لحلّ المشكلات، أما في إيران فلا توجد هذه الآلية، لذلك لا يمكن التنبّؤ بطريقة حل التناقضات.

رغم ما يظهر في الخارج، فإن السلطة في إيران تبدو متماسكة خلف شعار الثورة الإسلامية، مع داخل إيراني مليء بالتوترات، بين أجنحة الحرس الثوري، ورجال الدين، والتيارات السياسية المحافظة، والتيارات الإصلاحية فضلاً عن الصراع الخفي على الثروة والنفوذ، فضلاً عن انتشار الزبائنية في الإدارة العليا، إلى درجة القول إن أحداً من الكبار لا يضمن كرسيه، وحتى حياته!

النظام يقوم على حرمان الآخرين من الديمومة، ليتربع على قمته المرشد الأعلى، الذي يفترض أنه المرجع الديني والسياسي، وأنه الوحيد الباقي، إلا أن قبضته على السلطة ليست مكتملة؛ فالدراسات التي بين أيدينا تقول إن هناك دوائر غير متداخلة في تسيير الأنظمة الفرعية المشكّلة للدولة، في أغلبها متناقضة، وتبحث عن مصالح أصحاب تلك الدوائر؛ فالحرس الثوري يمثل الذراع الأقوى عسكرياً واقتصادياً، ويسيطر على قطاعات استراتيجية مثل النفط والغاز والاتصالات، وهو في صراع صامت بينه وبين مؤسسات الدولة المدنية، وحتى المؤسسة الدينية التقليدية. فالحرس يرى نفسه الحامي الحقيقي للنظام القائم، وينظر رجال الدين بعين الريبة إلى هذا التضخم لسلطاته، بل يطلق عليه من خصومه أنه هو "نظام الظل"!

في المرحلة الأخيرة، تصاعد الانقسام بين ما يعرف بالمحافظين والإصلاحيين. وعلى الرغم من التضييق المستمر على الإصلاحيين من قبل المحافظين، وكانوا في السابق محاصرين، فإنهم لا يظهرون الكثير من المعارضة للسياسات العامة التي يطبقها النظام بسبب العزل والقمع. بعد الحرب الأخيرة نشطت دعوتهم إلى الانفتاح وتخفيف القبضة الداخلية، فأصبح وجودهم الشعبي يشكّل قلقاً للسلطة. ويبدو أن الصراع أو لعبة شدّ الحبل داخل النظام نفسه قد بدأت.

المشكلة المباشرة التي يواجهها النظام في إيران هي مسألة خلافة المرشد علي خامنئي. الرجل متقدّم في السن، وتتراجع صحته بشكل يجعل المقرّبين قلقون على من يخلفه؛ والذي سيكون بالطبع من الجيل الثاني ذي الشرعية الأقلّ. بعض الأجنحة تدفع بشخصيّات منها في الوصول إلى ذلك المركز ذي الطابع الشرعيّ الوحيد للنظام، فكل مجموعة تحشد قواتها، وبشكل تنافسي للحصول على ذلك المركز ذي الامتيازات الضخمة وقد ينفجر الصراع بمجرد فراغ المكان.

يلعب التحكم بالاقتصاد الإيراني دوراً رئيسياً في إذكاء الصراع الداخلي، فالعقوبات الدولية ضيقت الخناق على النظام، فأصبح توزيع الثروة المحدودة محصوراً في شبكات قليلة مرتبطة بالحرس الثوري، والدوائر المقربة من المرشد. الاحتكار يثير حفيظة بقية الأجنحة، فأصبح عالم الاقتصاد ساحة مواجهة شرسة بين العقارب التي تتقاتل على الموارد القليلة المتاحة، كما يجب ألا نتجاوز قدرة المعارضة الخارجية الإيرانية التي تملك أذرعاً داخلية نشيطة، تقوم بعدد من الأعمال الداخلية بين فترة وأخرى، خاصة على صعيد جمع المعلومات، بل بدأت تنظم لقاءات في الفضاء السيبراني لتبادل وجهات النظر وشرح ما يجري في الداخل، وحشد المؤيدين لمشروعها التغييري.

وسط هذا الصراع، الشعب الإيراني أو معظم الشعب الإيراني، أصبح مثقلاً بالأزمات المعيشية، وارتفاع معدلات البطالة، والتضخم، وشيوع الفساد، وانتشار تعاطي المخدرات. وما الانتفاضات الشعبية المختلفة التي اندلعت في السنوات الأخيرة، إلا دليل صرخة بوجه الطبقة الحاكمة، رغم أن هذه الانتفاضات تقابل بالقمع العنيف، لأن النظام الإيراني يخشى أن تتحول صيحات الغضب الشعبي إلى انفجار شامل.

بعد الاشتباك الأخير مع إسرائيل شاع حديث صراع العقارب في طهران. وربما أخطر ما يواجه النظام ليس التهديد الخارجي من إسرائيل أو من الغرب، بل هو التآكل الداخلي على خلفية صراع الأجنحة، وتآكل شرعية النظام. هذا الأمر يجعل النظام معرضاً لخطورة أكثر مما سبق، لذلك هو حريص على أن يبقى أذرعه السابقة في مختلف البلدان العربية نشطة ومؤثرة، حتى يستطيع تفادي (في رأيه) ما يمكن أن يتم في الداخل الإيراني.

المعارضة الإيرانية لها وجهة نظر وهي عدم تغيير النظام من الخارج، فهو عمل غير مرغوب من جانبها، ولكن المطلوب هو العمل من الداخل، وهو أمر يعرفه النظام حق المعرفة؛ لذلك فإن الاحتمال أن تتوافق بعض القوى المعارضة الإصلاحية في الداخل، مع القوى الخارجية المعارضة، ليشكلا رافعة لتيار شعبي يكون مدخلاً لتغيير النظام، فقد أصبح واضحاً للجميع استعصاء إصلاحه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صراع العقارب في إيران صراع العقارب في إيران



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt