توقيت القاهرة المحلي 21:48:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإمام الليث بن سعد

  مصر اليوم -

الإمام الليث بن سعد

بقلم: نشوى الحوفى

من قال إن الماضى كان الأجمل؟ من ظن أنه كان الأسهل؟ من رأى أنه الأفضل؟ العقلاء يعلمون أن لكل زمن مقاماً ومقالاً وفعلاً ورد فعل. المسلمون لله وجوههم وقلوبهم يدركون أن ما مضى ليس لنا فيه إلا عبرة وذكرى لفهم واقع وحماية مستقبل بدلاً من تكرار الخطأ وإعادة نفس النتائج.

من هنا سرَّنى أن أقرأ عن تخصيص المركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية جائزة عالمية حملت اسم «الليث بن سعد»، أحد أهم أئمة الإسلام ومفسريه، ومنحها منذ أيام فى دورتها الأولى للدكتور أسامة الأزهرى تقديراً لفكره وعلمه. ولكننى حزنت إذ إن جائزة بهذا الاسم الملهم ما كان لها أن تُعلن هكذا فى صمت، أو أن تحمل اسم المفكر والمجدد بلا تسويق لهوية ودين حنيف. من هنا وجب التوضيح.

الإمام الليث بن سعد، الذى ولد عام 93 هجرية فى قرية قلقشندة، مركز طوخ، قليوبية، مصرى الهوى والفكر والثقافة والنشأة. ولد فى أسرة تضرب جذورها فى العمق القبطى، امتلك والده الأراضى ورُزق البنين، وشعر بعقل «الليث» ويقظة بصيرته، فكان إصراره على تكريس ابنه حياته للعلم. ولمَ لا والابن يجيد اللغات القبطية والعربية واليونانية والرومانية؟! ولمَ لا والابن قد ذهب لمدينة الفسطاط، حيث جامع عمرو بن العاص، جامعاً وجامعة، يسمع ويفكر ويحلل وينقد وهو بعد لم يتجاوز الصبا؟!

يجلس «الليث» ويستمع وينهل من كل علم دينى ودنيوى، فلا يرفض نوراً لعقل وقلب هو يعلم أنه بحاجة لهما. يرفض من يصر على اتباع السلف بلا تفكير، ويرفض من شذ برفض السلف بلا ضمير، وكأنه بيننا اليوم، فيستقل الفتى بالرأى مدركاً أن النصوص ليست مجرد كلمات، بل روح على العالِم سبر أغوارها وفهم دلالتها. فيرفض مشايخه المتشددون مذهبه فيرددها لهم: «تعلَّموا الحلم قبل العلم».

ويتبع «الليث» كل عالِم يسمع عنه داخل مصر وخارجها لا ليستمع أو ينقل فقط، بل ليناقش ويسأل سعياً لإدراك. يلتقى مالك بن أنس فى درس ربيعة بالحجاز، وقد كان فى مثل سنه، فيتصادقان وتكون بينهما خلافات فقهية راقية. منها رده لما قاله «مالك» من أن حمل المرأة قد يستمر ثلاث سنوات! فيرفض المنطق المجافى للعقل والعلم. ويرسل له «مالك» يعاتبه: «بلغنى أنك تأكل الرقاق وتلبس الرقاق -أى الملابس الفاخرة- وتمشى فى الأسواق». فيكون رد «الليث»: «قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده..». فـ«الليث» لم يستنعم بنعم الله لنفسه بل كان يمنحها ويتصدق بها على عباد الله مع كثرة غناه وماله، حتى قيل إنه كان يطعم فى اليوم 300 من الفقراء، ويرسل الصدقات حتى لمن أرسل له يعاتبه. كما اختلف مع «مالك» فى التقاضى بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق، وقال إن الشهادة لا تتم إلا برجلين عدلين أو رجل وامرأتين. ورفض فتوى منح الزوجة لمؤخر صداقها إن طلبته وهى فى حياتها مع زوجها، وقال إن مؤخر الصداق مرهون بطلاق أو بوفاة. يعلن الخليفة العباسى المنصور بألا يقضى بأمر فى مصر من حاكم أو قاضٍ إلا بعد الرجوع لـ«الليث»، ويمنحه هارون الرشيد أراضى الجيزة لإخراجه له من يمين طلاق لزوجته زبيدة.

ولذا قال عنه «الشافعى» حينما حضر إلى مصر بعد وفاته: «ما فاتنى أحد فأسفت عليه كالليث بن سعد»، وقال عنه أيضاً: «الليث أفقه من مالك، إلا أن قومه أضاعوه، وتلاميذه لم يقوموا به».

وتلك هى المعضلة التى واجهها الإمام الليث أنه كان من الموالى لا من العرب! فرغم أننا كأسنان المشط لا فرق بين أعجمى وعربى إلا بالتقوى، إلا أن مفاهيم القبلية والتعصب رفضت فقه «الليث» وأخفته ودفنت مع جثمانه ما تركه من فكر وتفسير، وتبعهم فيما فعلوا مصريون تشددوا فى انتماء لأئمة أو حقدوا على مكانة «الليث»، ابن النيل، وربيب قراه وخضار أرضه، التى انعكست على صفاء نفسه وبراح علمه.

فما أحوجنا لدراسة الإمام الليث بن سعد، لا لفهم رؤية وفكر وحسب، ولكن لإدراك هوية فى وطن ودين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإمام الليث بن سعد الإمام الليث بن سعد



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:49 2024 الخميس ,18 إبريل / نيسان

نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ
  مصر اليوم - نصائح لاختيار العطر المثالي لمنزلكِ

GMT 08:00 2024 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

القمر في منزلك الثامن يدفعك لتحقق مكاسب وفوائد

GMT 11:11 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

قمة "كوكب واحد" تكرس ماكرون رئيسًا لـ"معركة المناخ"

GMT 18:46 2017 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

دار Blancheur تعلن عن عرض مميز لأزياء المحجبات في لندن

GMT 16:21 2021 الجمعة ,11 حزيران / يونيو

ليفربول يودع جورجينيو فينالدوم برسالة مؤثرة

GMT 10:19 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

3 قلوب ينبض بها عطر "أورا" الجديد من "موغلر"

GMT 09:59 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

مجدي بدران ينصح مرضى حساسية الأنف بعدم الخروج من المنزل

GMT 03:10 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

صناعة الجلود في المغرب أصالة تبقى مع مرور السنوات

GMT 16:04 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر صحفي للشركة صاحبة حقوق بيع تذاكر المونديال

GMT 00:34 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مهاجم ليرس البلجيكي يطلب فرصة مع منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon