توقيت القاهرة المحلي 03:00:12 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التوت و«البنكنوت»

  مصر اليوم -

التوت و«البنكنوت»

بقلم - محمود خليل

بانتهاء العصر الملكى وقيام ثورة يوليو 1952 لم تعد الفتونة «نبوت»، بل «مال» يملأ الجيوب، إنه عصر تحول القوة من «العصا الغليظة» إلى «البنكنوت»، أصبح الفتوة هو القادر على توليد المال من الهواء.. وهل يمكن أن يولد المال من الهواء إلا من خلال السرقة أو النصب أو غير ذلك من طرق لعينة؟.. وبات لـ«الفتونة» نظرية جديدة ملخصها «اخطف واجرى».

عالج نجيب محفوظ هذه الظاهرة فى رواية «أهل القمة» التى رسم فيها صورة الفتوة الجديد عبر شخصية «زعتر النورى» الذى سطع نجمه فى زمن «المنطقة الحرة» التى أسسها الرئيس أنور السادات بمدينة بورسعيد عام 1976، وعبرها بدأت تتدفق السلع المستوردة، وأخذت شبكة التطلعات فى الاكتمال، وهى الشبكة التى لم ينجُ منها غنى أو فقير.

«زعتر النورى» بدأ رحلته نشالاً صغيراً، يلعب مع مجموعة من «حرافيش النشالين» يماثلونه فى الظروف والقدرات، يسرق فى المواقف والمساجد ووسائل النقل، يقضى وقتاً فى السجن حين يتم القبض عليه ويواصل الرحلة بعد أن يفرج عنه.. على هذا النحو سارت حياته حتى اكتشفه «زغلول»، أحد الفتوات، داخل سوق «المستورد»، ومنه تشرّب «النورى» نظرية الفتونة الجديدة «اخطف واجرى»، فقد كان زغلول من قبل صبياً لفتوة كبير فى سوق التهريب، هبش منه هبشة، ومنها بدأ رحلته فى الفتونة. طبّق «النورى» النظرية على معلمه الكبير وهبش منه «تهريبة» أخذها لحسابه، وبرر الأمر لنفسه بأن «زغلول» كسب وربح من ورائه تلالاً من الأموال، عبر عمليات التهريب التى سبق أن نفذها لحسابه.

اعتماداً على هذه الهبشة بدأ زعتر النورى لعبة «الفتونة» مع مجموعة النشالين الصغار الذين نشأ بينهم، وشكّل منهم عصابة جديدة منحت العديد من الفرص للحرافيش الذين يريدون الانخراط فى لعبة الاسترزاق الجديدة، وأصبح «سوق المستورد» ملعب فتونة «زعتر النورى» وتحلَّق من حوله أنصاره من حاملى أداة الفتونة الجديدة «البنكنوت».

انتزع من الفتونة كل المعانى والقيم النبيلة التى أنشأها عليها الفتوات القدامى مثل عاشور الناجى، اختفى الفتوة العادل الذى يكسب من عرق يده، ويسعى فى الحياة سعياً شريفاً، ويسخّر قوته من أجل نصرة الضعفاء، والفتونة فى نظره ليست بلطجة على الأعيان، بل جمع للحق المعلوم الذى فرضه الله فى أموال الأغنياء ليعطى منه للسائل والمحروم والمحتاج. ولم يعد الحرافيش كما كانوا بالأمس طلاب عدل، بل أصحاب تطلعات يهفون إلى كل ما هو استهلاكى مستورد، يبحثون عن المال دون أن يهمهم من أى اتجاه جاء، أو تعنيهم مشروعية الطرق المعتمدة فى الحصول عليه.

ونتيجة هذه التحولات أصبحت السلع الاستفزازية جزءاً من حياة الفتوات الجدد الذين أثروا باستغلال الظرف، بعد زمان عاشوه فى ظل قاعدة «القناعة كنز لا يفنى». وطرأ على الشخصية الحرفوشية طارئ جديد ذابت معه الحدود الفاصلة بين المال المؤسس على الاجتهاد والمال المبنى على السرقة، وتغذى هذا الطارئ على إحساس ترسخ داخل «الحرافيش» بأنه «ما دام الكل يسرق لا بد أن نسرق»، وبسبب توسع دائرة الفساد لم تعد العين الحرفوشية قادرة على التفرقة بين الثراء المشروع والآخر غير المشروع، واعتبرت أن «كل غنى لص».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التوت و«البنكنوت» التوت و«البنكنوت»



GMT 02:57 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

على جدار الامتنان

GMT 02:55 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

والميليشيات...!

GMT 02:52 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الدعم الأميركي والعقوبات على «نيتساح يهودا»

GMT 02:49 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

غزة... دمار وسرقة وتجار

GMT 02:45 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

عدالة القطع

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 03:33 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
  مصر اليوم - عمرو يوسف يتحدث عن شِقو يكشف سراً عن كندة علوش

GMT 06:52 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نظام غذائي يقضي على التهاب المفاصل بأطعمة متوافرة

GMT 03:14 2021 الجمعة ,03 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تنتقد التبذير في جهاز العرائس

GMT 14:30 2021 الأحد ,04 إبريل / نيسان

"مايكروسوفت" تؤجل إعادة فتح مكاتبها بالكامل

GMT 05:07 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

دراسة جديدة تكشف عن كمية القهوة لحياة صحية مديدة

GMT 11:21 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

وزيرة الصحة المصرية تؤكد حرص مصر على دعم لبنان ومساندته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon