توقيت القاهرة المحلي 03:53:02 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

  مصر اليوم -

نحو قانون متوازن للأسرة بيت الطاعة

بقلم - أحمد عبد الظاهر

«بيت الطاعة» هو اسم فيلم كوميدى مصرى من إنتاج سنة 1953م، وتم عرضه لأول مرة فى العاشر من شهر أغسطس سنة 1953م، من تأليف وسيناريو وإخراج الفنان القدير يوسف وهبى، ولعب دور البطولة فيه يوسف وهبى وهدى سلطان وإسماعيل يس ومارى منيب وفريد شوقى وزوزو ماضى. وتدور أحداث الفيلم حول زوجين كان يجمعهما رباط الحب، ولكن تشتد المشاحنات والخلافات الشديدة بينهما حتى وصل الأمر إلى ساحات القضاء، حيث يصدر الحكم لصالح الزوج بإلزام زوجته بالدخول فى طاعته. وبالفعل، وتنفيذاً لهذا الحكم القضائى، تدخل الزوجة فى طاعة زوجها، ومن هنا يبدأ الزوج فى تأديب زوجته. وهكذا، وكعادة الفن الهادف، كانت السينما سباقة فى إلقاء الضوء على المشكلات الأسرية وبيان أوجه الخلل التى تشوب القوانين والتشريعات المختلفة، بما يقود فى نهاية المطاف إلى النظر فى إمكانية تعديلها، بما يحقق التوازن فى العلاقات الزوجية والأسرية بوجه عام.

وبالنظر إلى تاريخ إنتاج الفيلم، يبدو جلياً أن المشكلة التى نحن بصددها قديمة تعود إلى عقود عديدة مضت، ومع ذلك، فإن هذه المشكلة ما زالت مستمرة تراوح مكانها، ودون أن تصدر التشريعات المناسبة فى شأنها. والواقع أن العديد من الأزواج ما زالوا حتى وقتنا الحالى يعمدون إلى رفع دعاوى (طاعة زوجية)، حيث يطالب الزوج بإلزام الزوجة المدعى عليها بالعودة إلى منزل الزوجية والدخول فى طاعة المدعى وعدم الخروج إلا بإذنه، وإلا عدت ناشزاً. وتستقبل المحاكم فى العديد من الدول العربية العديد من دعاوى طلب الحقوق الشرعية المقدمة من الأزواج ضد زوجاتهم بهدف الهروب من النفقة، واقتيادهن إلى بيت الزوجية بالإجبار.

وبمناسبة الدعاوى سالفة الذكر، تصدر العديد من الأحكام القضائية فى مصر وغيرها من الدول العربية بدخول المدعى عليها فى طاعة زوجها المدعى والعودة لبيت الزوجية، وعدم مغادرته إلا بإذن أو بمسوغ شرعى. وقد يعتقد البعض أن القضاء سالف الذكر يستند إلى أساس شرعى، حيث توجب أحكام الشريعة الإسلامية على الزوجة الالتزام بطاعة زوجها وأن تستقر فى المسكن الذى يقيم فيه، متى توافرت فى هذا المسكن شروط معينة. ولعل ذلك يبدو جلياً من مطالعة المذكرة الإيضاحية للقرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 بتعديل بعض أحكام قوانين الأحوال الشخصية. فقد ورد فى المذكرة الإيضاحية المشار إليه أنه: «لما كانت الشريعة الإسلامية قد جعلت حقوق الزوجية وواجباتها متقابلة، فحين ألزمت الزوج بالإنفاق على زوجته فى حدود استطاعته، أوجبت على الزوجة طاعته، وكان مظهر هذه الطاعة أن تستقر الزوجة فى مسكن الزوجية الذى هيأه لها الزوج امتثالاً لقول الله تعالى (أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن...) من الآية 6 من سورة الطلاق. ومع ذلك، وفى برنامجه التليفزيونى (الإمام الطيب)، المذاع عبر فضائية (DMC) المصرية، وفى يوم 8 مايو 2021، قال الإمام الأكبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب إن «من أهم ما أكده العلماء فى فقه المرأة، إلغاء ما يعرف ببيت الطاعة إلغاءً قانونياً قاطعاً لا لبس فيه ولا غموض، لما فيه من إهانة للزوجة». وفى الاتجاه ذاته، يؤكد البعض أن مسمى بيت الطاعة ليس له وجود فى الإسلام، بل هو قانون مأخوذ من القانون الفرنسى قديماً، لأن الأصل فى الحياة الزوجية الرضا والمودة والمعاشرة بالمعروف. وقد كفل الشرع لمن ساءها من زوجها خلق وعجزت عن الحياة معه أن تخلعه، كما كفل هذا الحق للزوج بالطلاق، فهو لا يجبر طرفاً للعيش بالإجبار مع من يكرهه؛ وقصة زوجة قيس بن ثابت، رضى الله عنهما، دليل، عندما ردت إليه حديقته مقابل الخلع.

ويثور التساؤل فى هذا الشأن عن الآلية التى يمكن من خلالها تنفيذ أحكام الطاعة، وما إذا كان ذلك يمكن أن يتم بالقوة الجبرية، وهو أمر غير منطقى وغير عقلانى وغير إنسانى. ولذلك، تنص المادة (75) من نظام التنفيذ السعودى على أنه «لا ينفذ الحكم الصادر على الزوجة بالعودة إلى بيت الزوجية جبراً»، بمعنى أن تلك الدعوى لا تنفّذ جبراً حتى لو صدر فيها حكم قضائى. وغالباً قد تنتهى الدعوى فى مثل هذه الحالات بالصلح أو الخلع أو الفسخ. وعلى حد قول البعض، فإن المهم فى هذا الصدد هو ألا تبقى المرأة معلقة بما يخالف رغبتها، حتى لا يترتب على الحكم إسقاط حقها فى النفقة والسكن. وهذا منافٍ للعدل الذى أمر الله تعالى به.

وإذا كان نظام التنفيذ السعودى قد اكتفى بالنص على عدم جواز التنفيذ الجبرى للأحكام الصادرة على الزوجة بالعودة إلى بيت الزوجية، فإن الأفضل والأنسب هو ألا تصدر مثل هذه الأحكام من الأساس. ففى المملكة المغربية، وبتاريخ 9 مارس 2020، أصدرت المحكمة الابتدائية بالرباط حكمها برفض الطلب المقدم من الزوج والذى يعرض من خلاله أن المدعى عليها زوجته لم تمكنه من الدخول بها، ملتمساً الحكم عليها بتمكينه من الدخول بها مع النفاذ المعجل وتحميلها الصائر، مدلياً بصورة عقد زواج وصورة محضر جلسة وشهادة طبية. وهكذا، فإن مدار الطلب ومنتهاه هو تمكين المدعى عليها من المعاشرة الزوجية بحسبان كونها زوجته. وقد استندت المحكمة فى حكمها برفض الطلب إلى أنه «باستقرار المادة 51 من مدونة الأسرة يتضح أن المساكنة الشرعية هى فى الوقت ذاته واجب وحق لكلا الزوجين، وهى إنما تدرك بالصفا أو بالجفا لقول الرسول، صلى الله عليه وسلم، (لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة وليكن بينهما رسول، قيل وما الرسول يا رسول الله؟ قال القبلة والكلام).

وفى الختام، يبقى الإشارة إلى المثل الشعبى الذى يقول: «كل شىء بالخناق إلا الجواز بالاتفاق». وهذا القول ينطبق على العلاقة الزوجية فى مبتدئها وفى استمرارها. والغريب أن يلجأ بعض الشباب أخيراً إلى قتل محبوبته لمجرد رفضها الارتباط به. ومن هنا، تبدو أهمية تغيير الثقافة المجتمعية الحاكمة للزواج، ونقطة البداية فى هذا الاتجاه تكمن فى حذف مصطلح «بيت الطاعة» من قاموسنا. ولتحقيق هذا الهدف، يبدو من الضرورى تغيير لغة التشريعات الحاكمة للأحوال الشخصية بحيث تأتى متسقة مع روح العصر. والله من وراء القصد. 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نحو قانون متوازن للأسرة بيت الطاعة نحو قانون متوازن للأسرة بيت الطاعة



GMT 03:53 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الأهرامات مقبرة «الرابرز»!!

GMT 03:51 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

الشعوب «المختارة»

GMT 03:49 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

اللاجئون إلى رواندا عبر بريطانيا

GMT 03:48 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

المقاومة الشعبية والمسلحة

GMT 03:38 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

خطر تحت أقدامنا

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 03:33 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
  مصر اليوم - عمرو يوسف يتحدث عن شِقو يكشف سراً عن كندة علوش

GMT 06:52 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

نظام غذائي يقضي على التهاب المفاصل بأطعمة متوافرة

GMT 03:14 2021 الجمعة ,03 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تنتقد التبذير في جهاز العرائس

GMT 14:30 2021 الأحد ,04 إبريل / نيسان

"مايكروسوفت" تؤجل إعادة فتح مكاتبها بالكامل

GMT 05:07 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

دراسة جديدة تكشف عن كمية القهوة لحياة صحية مديدة

GMT 11:21 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

وزيرة الصحة المصرية تؤكد حرص مصر على دعم لبنان ومساندته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon