توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سوريا أولاً

  مصر اليوم -

سوريا أولاً

بقلم:سوسن الأبطح

«الكعكة السورية» دسمة وشهيّة. كل يريد أن يقتطع الحصة الأكبر. تركيا وإسرائيل حازتا نصيب الأسد. أميركا هي سيدة اللعبة، والمشرفة على تحريك خيوطها. فكل قطعة شطرنج تحرك، تتم بإذنها. تعفف ترمب، وتحججه بأن «سوريا ليست صديقتنا، ويجب ألا يكون للولايات المتحدة أي علاقة بها»، هو من باب ذرّ الرماد في العيون. انظر كيف يحاول المحلل السياسي الشهير توماس فريدمان في مقالته في «نيويورك تايمز» أن يقنع ترمب بأن «سوريا هي حجر الزاوية في الشرق الأوسط بأكمله، وإن انهارت فكما جسر متفجر، سيُوجِد فرصاً هائلة يستغلها الجميع». مع أن ترمب ليس بحاجة لمن يقنعه.

لا يخفي الأتراك أنهم ينسقون مع أميركا، خطواتهم ودعمهم للمعارضة المسلحة، بل ثمة اتفاقات تتعلق بترتيبات المناطق الكردية في سوريا. استولت المعارضة المسلحة بلمح البصر على دير الزور ومنبج، ثم أوقف القتال، لأن ثمة ما أبرم بين الطرفين.

الاتفاقات التي تحقن الدماء ليست بالأمر السيئ، لكن بعضها شرير وقاتل. إسرائيل أيضاً تتوافق في خطواتها العدوانية في سوريا، مع الإدارة الأميركية الحالية.

وما ترتكبه من تدمير واحتلال، بهدف إثارة البلبلة والفوضى، هو الأخطر على مستقبل سوريا. لم تترك إسرائيل فسحة يوم واحد للشعب السوري للابتهاج بحريته التي نالها بعد ديكتاتورية 54 عاماً. كان بمقدورها أن تؤجل حربها الحاقدة لو لساعات. شنّت أكبر وأشرس عملية قصف في تاريخها، شارك فيها 300 طائرة حربية. أي عملياً كل أسطولها الجوي. وكهدية في هذه المناسبة السعيدة، سرقت إسرائيل هضبة الجولان.

وقف نتنياهو على قمة جبل الشيخ، وقال كمن امتلك العالم، وقد انكشفت أمامه دمشق والبقاع اللبناني، وهضاب الجليل وبحيرة طبريا: «ستبقى الجولان قطعة من إسرائيل إلى الأبد». لم يكتفِ بذلك، بعد أيام من قصفه الوحشي لعاصمة عربية هي بيروت، زحفت دباباته لتتمركز على بعد 20 كيلومتراً من دمشق، وكأنما يقول إنه قادر على الوصول إلى العاصمة العربية التي يريد. كل ذلك متزامناً مع إبادة كاملة لمعدات وأسلحة الجيش السوري، من سفن وطائرات ودبابات وصواريخ ودفاعات جوية، ومراكز أبحاث مدنية وعسكرية، حتى بعض مراكز الدولة المدنية. تباهى الإعلام العبري بأن «إعادة تأهيل الجيش السوري ستكلف مئات المليارات، وستمتد لجيل كامل». وانتشى ضابط احتياط في الجيش الإسرائيلي قائلاً: «كم عظيم أن تصبح سماء دمشق آمنة لطائراتنا، كأننا نحلق فوق حيفا أو تل أبيب».

عدوان ستحاسب الأجيال السورية عليه إسرائيل من دون شكّ. فأولئك الذين قصفت بيوتهم طائرات بشار الأسد قبل 12 عاماً، هم الذين عادوا بأسلحتهم وغضبهم ليدخلوا المدن السورية فاتحين. أياً تكن قدرات إسرائيل اليوم، فإن الأطفال الذين رأوا الطائرات الإسرائيلية تحرق ممتلكاتهم، وتحطم قوة جيشهم، وتقتحم قراهم وتجتاز أراضيهم، لن يحملوا في قلبهم محبة ولا سماحة لهؤلاء الغزاة. ولا داعي للحديث عن أطفال غزة، فهؤلاء سيفعلون ما لا يخطر على بال أحد.

حسابات الربح والخسارة معقدة في الحروب، بالأمس، كانت إيران سيدة في سوريا، وها هي خرجت. وروسيا تفاوض لإبقاء قاعدتيها والحد الأدنى من قواتها، وقد لا تفلح. و«حزب الله» محاصر من إسرائيل جنوباً وشرقاً من الجهة السورية، ومرصود من البحر والجو. لكن محللين إسرائيليين يتحدثون عن خطر لا يزال يحيط بهم، من الخاسرين، الذين ربما يَجِدون بعد حين منافذ صالحة ليعودوا.

إسرائيل أرادت التخلص من بشار الأسد، واحتفت بالمعارضين، لكنها تخشاهم أيضاً. ما تحلم به حقاً هو تقسيم سوريا، لا يتكلمون في إعلامهم بغير ذلك. غالبية محلليهم يراهنون على اشتباكات بين مجموعات النظام الجديد، بفئاتها المختلفة، التي قد تشغلهم سنتين على الأقل. يراهنون على أن «سوريا كدولة لم تعد موجودة» كما يقول إيتان دانغوت، السكرتير العسكري السابق لوزراء أمن إسرائيل. هذه مقولات يتبنونها، كي تصبح أرض سوريا مستباحة، وإسقاط اتفاقية فكّ الاشتباك بين سوريا وإسرائيل بعد حرب 1973 مبررة.

من المشين أن هذه الاتفاقية التي تلغيها إسرائيل اليوم من جانب واحد عُقدت برعاية أميركية. لكن كل شيء يسقط أمام المفاهيم المطلقة التي يشنّ وفقها رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ما يسميه «حرب القيامة»، التي باتت حرباً على كل ما يتحرك في المنطقة، يريد فيها «انتصاراً حاسماً»، وقضاء «كاملاً» على «حماس»، و«تغيير الشرق الأوسط».

وهو بالفعل يتحول، وتنقلب الموازين. ومع ذلك، فإن إسرائيل كلما شعرت بقوة أكبر، ازدادت شهوة لمزيد من القوة والتملك. وهذا ما اعتبرته «هآرتس» خطراً. فها هي إسرائيل تكثر من المناطق العازلة حولها، ثم تحتاج أن تبني عليها المستوطنات، ومن ثم ستجد ضرورة لحمايتها، بمناطق عازلة جديدة. وكل أرض محتلة إضافية تستجلب من يقاوم الظلم ليستعيدها. ونبقى مع هذا الداء في لعبة دائرة العنف المغلقة، لمجابهة الأطماع «المطلقة».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا أولاً سوريا أولاً



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt