توقيت القاهرة المحلي 09:57:50 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عالم جديد جداً

  مصر اليوم -

عالم جديد جداً

بقلم:سوسن الأبطح

تشكو مراكز الأبحاث من ضبابية في الرؤية. توقعات العامين الماضيين، منيت بالخيبة. حدث ما لم يكن في الحسبان. منذ أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن اعترافه باستقلال منطقتي دونيتسك ولوغانسك، ونشر قواته فيهما، وكرة النار تتدحرج. العقوبات ضد روسيا انقلبت ضد أوروبا، وزلزلت المعايير. أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 وما تبعها من مجازر في غزة، مستمرة رغم مرور سنة ونيف، غيرت الجغرافيا حولها، وأصداؤها تتردد في كل العالم. صارت الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط، مركز الاهتمام، ودينامو التحولات.

من كان يعتقد أن حرب غزة ستتحول إلى إبادة؟ من تصور أن تطيح الحرب الإسرائيلية على لبنان بقيادات «حزب الله» بالجملة؟ أو أن تنطفئ نار المعارك في لبنان، ليبدأ هجوم المعارضة في سوريا، وينتهي الأمر في غضون أيام بهروب بشار الأسد؟ هل ثمّ من كان يعتقد أن أبو محمد الجولاني سيصبح نجم الحقبة، وقائد تحرير سوريا، وزعيمها الجديد؟ أو أن تركيا ستصل يوماً إلى حدود إسرائيل؟

كثير هذا على سنة واحدة. الأحداث أسرع من قدرتنا على اللحاق بها، أو تصور ما بعدها!

التغيرات هائلة في أماكن كثيرة. اقترع أكثر من 60 بلداً خلال العام الماضي، وهي في غالبيتها انقلبت على حكّامها، بمن في ذلك ناخبو أميركا، الذين قرروا إعادة الجمهوريين، باختيار دونالد ترمب رغم كل ما تثير شخصيته من مخاوف، ومزاجيته من قلق. إنها الانتخابات الرئاسية الأميركية الثالثة على التوالي التي يخسر فيها الحزب الحاكم، وهذا نادر. في بريطانيا عاد حزب العمّال إلى السلطة بعد 14 عاماً من الغياب. في فرنسا خسر تحالف الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون، وتقدم اليسار واليمين المتطرف، وهذا غريب. في ألمانيا فاز اليمينيون المتطرفون للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية. وفي رومانيا والبرتغال والنمسا أيضاً تقدم اليمينيون المتشددون. أوروبا برمتها تذهب إلى مزيد من التطرف، ونبذ الهجرة، وتقييد الانفتاح، وتنحو صوب المحافظة والتقوقع. الشعبويون يفوزن ويفرضون إرادتهم على مدى القارة البيضاء.

في الاستفتاءات، يعبّر الناخبون عن سخطهم ورغبتهم في تغيير كبير. ما نراه من نتائج، يأتي بسبب حالة احتجاجية عامة، أكثر من كونها ميولاً عنصرية واعية لدى الناخبين. يقال إن ثمة «كآبة عالمية»، «إحباطاً كونياً» بسبب الاهتزازات الاقتصادية، والإحساس المستشري بالخوف. الدول التي حكمها اليمين تختار اليسار، والعكس صحيح. في كوريا الجنوبية كما جورجيا، انقلب الناخبون على الأحزاب الليبرالية.

في جنوب أفريقيا، خسر حزب المؤتمر الوطني، الثابت في الحكم، منذ انتهاء نظام الفصل العنصري. وفي اليابان خسر الحزب الديمقراطي الليبرالي، الحاكم منذ الحرب الثانية، وكذلك فازت المعارضة في بنما وأوروغواي، واللائحة تطول.

الإحباط العالمي، لدى الشعوب، حتى الغنية، ليس مالياً فقط، ثمة شعور عارم، بأن المؤسسات تتخلخل، والديمقراطية لا تسير على ما يرام. للمرة الأولى، نرى الشعوب التي تنتخب، لا تمثلها نخبتها الحاكمة التي اختارتها. الناخبون يريدون شيئاً آخر، غير موجود، ربما لم يتبلور بعد، فكراً مختلفاً، حلولاً مبتكرة، لم يجدوا من له القدرة على صياغتها، وتنفيذها. وفقاً لتقرير حالة الديمقراطية العالمية لعام 2024، فإن أربع دول من أصل كل تسع دول، أصبحت أسوأ حالاً مما كانت عليه من قبل، من حيث الممارسات الديمقراطية، ولم تشهد سوى دولة واحدة من كل أربع دول تحسناً في الجودة، بحسب المستطلعين. هذا يعكس التبرم الشعبي العام. إذ يزداد عدد الدول التي تذهب إلى الصناديق لتقترع، لكن النتيجة ديمقراطية أقل.

المنظرون الاستراتيجيون، هم أيضاً، يبحثون عن زوايا جديدة في التحليل، لفهم واقع غير مسبوق.

قد يكون محقاً بعض الشيء يوشكا فيشر، وزير خارجية ألمانيا السابق حين كتب: «إذا نظرنا 26 عاماً إلى الوراء، فلا بد أن نعترف بأن تفكك الاتحاد السوفييتي، ونهاية الحرب الباردة، لم يكتبا نهاية التاريخ، بل بداية لنهاية النظام الليبرالي الغربي». فالضعف الأوروبي، الذي ظهر، بشكل خاص، بعد الحرب الأوكرانية، له مفاعيله.

القيادة الأميركية للعالم مستمرة، وهي تحاول أن تثبت نفسها بشتى السبل، لكن النظام الذي بنته أميركا من مؤسسات دولية، وتحالفات، ينهار بعضه، ويحل مكانه بحسب أميتاف أشايا، الأستاذ في الجامعة الأميركية بواشنطن، نظام تعددي، تبقى فيه الولايات المتحدة مهيمنة مع وجود أقطاب أخرى قوية، تعيق قدرتها على بسط نفوذها بالطريقة السابقة. كثر يحاولون فهم ما يسمونه «احتمالات» بعد أن أصبحت «التوقعات» عصية، وقراءة «الغد» ضرباً في الرمل.

فأجيال «زد» و«ألفا» و«بيتا» التي تنغمس في الرقمية وتصادق الذكاء الاصطناعي، تجد صعوبة في تقبّل تفكير أولئك الآتين من عالم التلفزيون والورق وآيديولوجيات القرن العشرين. الحرس القديم يعيش سنواته الأخيرة. ربع قرن من الألفية الجديدة مضى، كان كفيلاً بإثبات، أن كل ما سيأتي لن يكون حتى قد مرّ في أخيلتنا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عالم جديد جداً عالم جديد جداً



GMT 09:57 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

توسعة الميكانيزم... هل تجنّب لبنان التصعيد؟

GMT 08:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

الطبع فيه غالب

GMT 08:38 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مصر في مواجهة سيناريو «العبور بلا عودة»

GMT 08:30 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مَن يلقى سلاحه يُقتل

GMT 08:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيا والقبعات المتعددة

GMT 08:21 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

كارثة وفاة سباح الزهور

GMT 08:19 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

عبد الوهاب المسيرى.. بين عداء إسرائيل والإخلاص للوطن

GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt