توقيت القاهرة المحلي 10:27:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العملية البيضاء للحرب التجاريّة القادمة

  مصر اليوم -

العملية البيضاء للحرب التجاريّة القادمة

بقلم:د. آمال موسى

مؤشرات عدّة تؤكد أن مخاض انبعاث نظام عالمي جديد أوشك على النهاية، ولم تعد فكرة النظام العالمي الجديد مجرد سيناريو، أو توقعات خبراء تستشرف المستقبل، بل إنه حتى الفضول حول هوية ملامحه قد تلاشى؛ حيث إن الوتيرة السريعة لأحداث مركزية خلال العقدين الماضيين وصولاً إلى مرحلة ما بعد جائحة «كورونا» إلى الآن، قد كشفت عن ملامح النظام العالمي الجديد، وتضاريسه الأساسيّة، وظلال الفاعلين فيه.

فمَن سيحكم في النظام العالمي الجديد؟ وما شروط الحكم؟

الثابت أن الشروط لم تتغير، فالمعيار هو القوة، والأكثر قوة هو مَن سيفرض سلطته في النظام العالمي الجديد. وباعتبار أن القوة ليست ثابتة بدورها، وأنها متحركة في الاتجاهين إما تجاه التطور وإما التقهقر، فإن الترتيب الذي ألفناه منذ عقود ليس هو نفسه، وهنا نشير إلى تراجع قوة أوروبا وموقعها وتأثيرها وتنامي قوة الصين، التي أصبحت القوة الاقتصادية الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة الأميركية.

طبعاً القوة المقصودة بالأساس هي القوة الاقتصادية، ومَن يمتلك الاقتصاد العالمي، ويُهيمن عليه فإنه آلياً هو الأقوى.

وعندما نعاين واقع الدول اليوم، تظهر لنا عدة دول صاعدة القوة ومنخرطة بشكل متفاوت في العولمة وأسبابها ومظاهرها. غير أن ما تؤكده المؤشرات والوقائع والأرقام أن الولايات المتحدة الأميركية ما زالت القوة الأولى في العالم، فليس كل ما في النظام العالمي القريب من الأفول سينتهي أمره إلى التراجع أو تغيير موقعه في خريطة القوة والقوى الدولية.

كما أن موقع الصين في النظام العالمي الجديد بصدد التشكل، وهي القوة المنافسة للولايات المتحدة التي باتت واشنطن تحسب لها الحساب، وتضع لها العراقيل على طريقتها الخاصة.

في هذا السياق من التكتيك وقياس القوة نضع الحرب التجارية التي شنتها الولايات المتحدة منذ شهر فبراير (شباط) الماضي ضد الصين في المقام الأول والاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، ونعتقد أن المبررات التي تضمنها الخطاب السياسي الأميركي والمتمثلة في الدفاع عن الأمن القومي الأميركي وحماية المنتجات الأميركية إنما تخفي مبررات أكبر، وهي أن هذه الحرب التي عشنا على وقعها أسابيع، وانتهت بتخفيض الرسوم الجمركية لمدة ثلاثة أشهر حفاظاً على توازن الاقتصاد الدولي لم تكن إلا عملية بيضاء أرادتها الولايات المتحدة لحرب تجارية قادمة لا محالة. ويجب ألا ننسى أن التكتيك نفسه تقريباً اعتمده الرئيس الأميركي دونالد ترمب في سنة 2018، إذ من الواضح أنه يراهن على الوجع التجاري... ومن نتائج هذه العملية البيضاء التي أجاد رئيس الولايات المتحدة إخراجها، أن الصين أكثر تضرراً من الحرب التجارية مقارنة بالولايات المتحدة؛ حيث إن هذه الأخيرة انخفضت حصتها من إجمالي تجارة الصين بنحو نقطتين ونصف النقطة، في حين أن حصة الصين من إجمالي التجارة الأميركية قد انخفضت من 15.7 إلى 10.9.

إذن لم يكن مجرد توتر تجاري في الهواء بقدر ما كانت عملية بيضاء أطلقتها الولايات المتحدة؛ استعداداً لحرب تجارية قادمة سيُرفع فيها سلاح الرسوم الجمركية.

وستكون التجارة الفيصل في تقرير مصير القوى الاقتصادية الدولية. ولما كانت التجارة هي نقطة قوة الصين فإن الرسوم الجمركية قادرة على التأثير سلباً على هذا المعطى، وإحداث تغيير عميق في خريطة الأسعار.

لنقل إن الرسوم الجمركية هي ضغط غير مباشر للحد من نقاط قوة الصين؛ حيث إنه يضطرها للرفع في الأسعار ومن ثم تفقد إحدى مميزات صادراتها، وهي أنها في المتناول.

كما أن ارتفاع الأسعار نتيجة الرسوم الجمركية، وما يتبعها من ترفيع في التكلفة، سيؤديان إلى انكماش الطلب، وفي المحصلة الميزان التجاري سيتراجع.

إذن، أين نحن العرب من كل هذا؟

لن نخوض في مسألة موقعنا في النظام العالمي الجديد؛ لأننا لا نزال في معارك تنموية وإدارة صعوبات الأزمات ومخلفاتها، ولم نتشكل بصفتنا قوة اقتصادية بعد، باستثناء ظهور نماذج تنموية واعدة.

في مقابل ذلك، من المهم الانتباه إلى التأثيرات السلبية للحرب التجارية القادمة بعد الهدنة المعلنة المُحددة بثلاثة أشهر. ذلك أن ارتفاع الأسعار هو خلاصة التأثيرات المزعجة بخاصة، وأن 70 في المائة من التبادل التجاري للبلدان العربية هو مع بلدان أوروبا المستهدفة إلى جانب الصين وكندا وغيرهما، في حين التبادل التجاري العربي - العربي لا يتجاوز 4 في المائة، ما يعني شبه غياب للتبادلات التجارية العربية، وإهمالاً هائلاً لمشروع رؤية نشاط تجاري عربي أولاً.

واعتباراً لكل هذه التغييرات والمؤشرات، من المهم أن تفكر البلدان العربية في كيفية التقليص من حجم الضرر الاقتصادي للتوترات والحروب التجارية بين قوى الاقتصاد العالمي وانعكاسها على ارتفاع الأسعار وارتفاع نسبة فائدة القروض، ومن ثم التأثير على الاستثمار الذي يُمثل عجلة التنمية.

إننا في وضع يُحتم علينا إدارة التأثيرات التجارية السلبية والمضاعفات من أجل الحد الأدنى للقدرة على العيش.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العملية البيضاء للحرب التجاريّة القادمة العملية البيضاء للحرب التجاريّة القادمة



GMT 10:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل سوريا بين إسرائيل… وأميركا وتركيا

GMT 10:22 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيز إسرائيل على طبطبائي… لم يكن صدفة

GMT 10:20 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

خطورة ترامب على أوروبا

GMT 10:15 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

المفاوض الصلب

GMT 10:12 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مشكلتنا مع «الإخوان» أكبر من مشكلات الغربيين!

GMT 10:07 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

إعلان الصُّخير... مِن «دار سَمْحين الوِجِيه الكِرامِ»

GMT 10:04 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

اصنعوا المال لا الحرب

GMT 09:57 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

توسعة الميكانيزم... هل تجنّب لبنان التصعيد؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt