توقيت القاهرة المحلي 10:07:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أميركا وترمب: نهج «الأنا والآخر»

  مصر اليوم -

أميركا وترمب نهج «الأنا والآخر»

بقلم: جبريل العبيدي

عندما كتب الأميركي صاموئيل هنتنغتون كتابه «أميركا: الأنا والآخر»، كان يطرح سؤالاً مهماً مضمونه «من نحن؟»، وهو الجدل الكبير في أميركا حول الهوية الأميركية، الأمر الذي ظهر هاجساً كبيراً في عهد الرئيس دونالد ترمب الأول، وبعد هزيمته أمام بايدن، وظهور أنصاره أمام «الكابيتول»، بل اقتحامه.

الجدل حول الهوية، وتمركزه حول مفهوم «الأنا والآخر»، انعكس سلباً على ملف الهجرة والمهاجرين وناصَبهم العداء؛ خشية من «الكوبنة» Cubanization وحتى «المكسكة» Mexicanization، وهو ما أطلق عليه صاموئيل هنتنغتون الغزو الديمغرافي لمناطقَ كانت قد احتلها الأميركيون، بل طال الأمر حتى المولودين في أميركا، وصعود واضح للهويات الوطنية الفرعية كردّ فعل واضح، رغم أن أميركا في أصل تكوينها كدولة حديثة هي خليط من الإثنيات والمهاجرين وأقلية من الهنود الحمر الذين تعرّضوا لأبشع إبادة في التاريخ.

الخلاف على الهوية الأميركية تسبَّب في الاعتراض حتى على استخدام اللغة الإنجليزية، ولعلّ مجاهرة حاكم ولاية فلوريدا بوب مارتينيز حين قال: «لا نختار للأميركيين ديانتهم ولا عِرقهم، فلِم نختار للأميركيين لغتهم؟!»، كأنه يعترض على اختيار اللغة الإنجليزية، والتي حاول الرئيس ترمب أن يَسخر، من خلالها، من بعض الرؤساء الأفارقة، وهم ضيوفٌ على طاولته، مِن كون أحدهم يجيد اللغة، والباقين لا، في مشهدٍ كرَّر مفهوم «الأنا والآخر»، كما شرحه أحد كبار مفكري أميركا صاموئيل هنتنغتون.

الضيوف الأفارقة الخمسة تعرّضوا لإحراجِ وسخرية ترمب، لدرجة أنه طلب من أحد الرؤساء: «فقط قل لنا اسمك وبلدك»، بينما الرئيس الأفريقي كان منهمكاً في التعريف باقتصاد بلاده، ورغم أن الرؤساء الأفارقة الخمسة كان اجتماعهم مع ترمب بسبب أن بلدانهم شريك مهم في إنتاج المعادن، بينما الرئيس ترمب تجاهل السبب من الاجتماع، وكان يجهل أن ليبيريا ناطقة بالإنجليزية وهي لغتها الرسمية، ولكن أيضاً لا يقع اللوم فحسب على عقدة «الأنا والآخر» عند ترمب، بل حتى بعض الضيوف كانوا الأفضل لو تحدثوا بلغتهم الوطنية وتركوا الإحراج للمترجمين، بدلاً من الحديث بلسان أعجمي لا يُحسنون نطقه، مما جعلهم محل إحراجات الرئيس ترمب.

المحرَجون الأفارقة ليسوا أول ولا آخِر المحرَجين في ضيافة الرئيس ترمب، فقد سبقهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والذي تعرَّض للحرج الأشبه بالتوبيخ اللاذع من ترمب ومن صحافة البيت الأبيض، حيث طالت السخرية حتى من ملابسه.

مفهوم «الأنا والآخر» كان واضحاً من خلال دبلوماسية إحراجات دونالد ترمب للرؤساء والضيوف، والتي لا تنتهي، لكن هل ستكون هناك نهاية للترمبية السياسية في الشارع الأميركي والحالة الشعبوية التي عززها ترمب؟ لا أظن ذلك في القريب المنظور، خاصة في ظل حالة انقسام مجتمعي وليس سياسياً انتخابياً ينتهي بليلة إعلان النتائج، ويعود كل شخص إلى بيته فرحاً بفوز أو حزيناً بخسارة مرشحه. إذ يَسخر البعض بأنه لا فرق بين الجمهوري والديمقراطي إلا كالفرق بين البيبسي والكوكا الكولا، ويتكهن البعض بانهيار الإمبراطورية الأميركية من الداخل بسبب الهوية الأميركية، كما يروّج إعلام «حزب الله» وإيران.

أزمة الهوية وصراع «الأنا والآخر»، وشعبوية ترمب السياسية، كثيراً ما انقلبت عليه بعد أن تجسدت في تضامن شعبي، فعداوة ترمب للأجانب والمهاجرين ليست جديدة، حيث أسقط القضاء الأميركي ومنع تنفيذ قرارات رئاسية كثيرة في هذا الملف، مما يعكس حالة استقطاب شديد داخل المجتمع الأميركي.

على العكس من شعبوية ترمب، فإن السياسة الأميركية، خاصة الخارجية، تخضع لاستراتجية مرسومة لسنوات، وليست رهينة لأشخاص وإن كانت تأثرت بالحالة الترمبية، إلا أن مسارها ثابت، أياً كان ساكن البيت الأبيض، فترتيب المصلحة والأولويات سيختلف بحكم المصلحة الأميركية، فأميركا خطها السياسي براغماتي بالمطلق.

لكن يبقى السؤال: هل سيستطيع ترمب أن يلمّ الشمل، ويوحّد الأمة المنقسمة، في ظل حالة انقسام شعبوي حادّ غير مسبوق في الأمة الأميركية، وهل سيتمكن من السيطرة على ملفات معقدة كثيرة؛ منها حل الدولتين بين فلسطين وإسرائيل، والملفات النووية في إيران وكوريا الشمالية، والصراع بين الهند وباكستان، والحرب الروسية على أوكرانيا، وجميعها ملفات ملتهبة لا يمكن تسويتها من خلال مفهوم «الأنا والآخر»؟ المنهج الذي يستخدمه ترمب حالياً، وهو ما قد يتسبب في خسائر أميركية كبيرة. فليس كل من جاء إلى أميركا والبيت الأبيض يُعد من المتسولين، بل هناك شركاء حقيقيون يمكن أن يحققوا مصالح ونفعاً لأميركا وأصدقائها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا وترمب نهج «الأنا والآخر» أميركا وترمب نهج «الأنا والآخر»



GMT 10:07 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

إعلان الصُّخير... مِن «دار سَمْحين الوِجِيه الكِرامِ»

GMT 10:04 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

اصنعوا المال لا الحرب

GMT 09:57 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

توسعة الميكانيزم... هل تجنّب لبنان التصعيد؟

GMT 08:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

الطبع فيه غالب

GMT 08:38 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مصر في مواجهة سيناريو «العبور بلا عودة»

GMT 08:30 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مَن يلقى سلاحه يُقتل

GMT 08:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيا والقبعات المتعددة

GMT 08:21 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

كارثة وفاة سباح الزهور

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt