توقيت القاهرة المحلي 01:42:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التجربة والفرصة

  مصر اليوم -

التجربة والفرصة

بقلم : عبد المنعم سعيد

أصبحنا جميعًا نعرف ما علمنا إياه الصينيون من أن فى الأزمة أخطارًا وفرصًا؛ ونحن الآن نعيش فى ظلال حزمة من الأزمات، وعلينا أن نخرج منها بأعلام خفاقة. القائمة باتت معروفة عما جرى خلال السنوات العشر الماضية، التى بدأت بأزمات ما بعد الربيع العربى المزعوم من فوضى لدينا وحروب أهلية فى دول الإقليم، بعضها لا يزال ساخنًا فى سوريا واليمن وأخيرًا فى السودان، ولم تنتهِ بعد بسلسلة أزمات الإرهاب والكورونا والحرب الأوكرانية، وأخيرًا حرب غزة الخامسة، التى تَشِى باتساع نطاقها من الشام إلى مضيق باب المندب؛ وإذا ما استمرت طبول الحرب قارعة فسوف تصل إلى الخليج. مجمع الأزمات هذا أعطانا قدرًا كبيرًا من النضج والخبرة والحكمة، يظهر الآن فى إدارة الأزمة الراهنة، التى ندخلها بمشروعية انتخاب قيادة متمرسة، بعد تمكن شخصيات من دخول الانتخابات، كان على رأس برامجها حرب مع إثيوبيا وأخرى مع إسرائيل، وفوق ذلك عودة الإخوان المسلمين إلى الساحة السياسية مرة أخرى. الانتخابات الرئاسية، وقبلها ممارسة الحوار الوطنى، كان فيهما قدر كبير من التدرُّب على المسؤولية، وعلى أن الدولة المصرية تقطع مسارها الخاص فى التطور والتغيير، الذى يبدأ بالبيئة المادية للإقليم المصرى، وإقامة العدالة بين أقاليم الدولة كلها، لا يُستثنى منها ريف ولا حضر ولا محافظات على بحر أو نهر. لم يعد الأمر فى مصر شعارات تُرفع لتنمية الصعيد، ويمر العام وراء العام ولا يلقى الصعيد إلا النزر القليل؛ ولا حلفان القَسَم على تعمير سيناء، وتمضى السنة وراء الأخرى، فلا يكون هناك إلا نفق يتيم وجسر للسلام أقامته اليابان، بينما بقيت سيناء على حالها، حتى باتت موئلًا للإرهاب الممتد حتى وادى النيل.

التجربة كانت غنية بالأصول الجديدة والمثمرة، واستيعاب ٢٠ مليون نسمة إضافية، غير اللاجئين والنازحين، ولكن كان لها ثمن تمثل فى مجمع من الديون الداخلية والخارجية، وتضخم وزيادة فى أسعار السلع، مع تراجع فى معدلات النمو وتقديرات المؤسسات المالية الدولية لمستقبل الاقتصاد المصرى. هذه المعادلة ما بين غنى الأصول فى ناحية وتهافت السوق المصرية وضعف عملتها واضطراب قراراتها وأسعار سلعها من ناحية أخرى؛ على ما تسببه من مصاعب وآلام للشعب المصرى قابلة للعلاج إذا ما عرفنا أمرين: أولهما أنه لا يجوز فى القرن الواحد والعشرين إعادة اختراع العجلة؛ وثانيهما أن الأصول التى حققناها من الطرق والكبارى والجامعات والمصانع والمزارع والمدن الجديدة، كلها تكفى وزيادة لإعادة التوازن مرة أخرى إلى الاقتصاد المصرى إذا ما بدأنا فى استخدامها والاستثمار فيها. كل ما نحتاجه هو أن نعرف كيف استخدمت شعوب ودول مثل الصين والهند وفيتنام وكوريا الجنوبية وغيرها العجلة، التى تحقق التوازن للاقتصاد القومى ودفع الأفراد والشركات إلى التنافس الداخلى والخارجى فى سوق حرة ومبدعة.

المسألة من ناحيتنا جرى تكرار المقترحات الخاصة بها، التى تبدأ بتطبيق مشروع إصلاح النظام الإدارى للدولة، والذى كان منتظرًا تطبيقه مع الانتهاء من العاصمة الإدارية، ومن ثَمَّ تكون هى العقل الذى يُدير بالرقمنة جهاز الدولة فى أقاليم مصر، التى آن الأوان لتحريرها من المركزية الشديدة، وتحويلها إلى قدرات استثمارية جديدة، ومتنوعة تنوع اقترابها أو ابتعادها من النهر، حيث الدلتا والصعيد، والبحرين الأبيض والأحمر وخليجى العقبة والسويس ومثلث قناة السويس وفرع دمياط وطريق القاهرة والعين السخنة، ونهر النيل الجديد فى الصحراء الغربية من «توشكى» إلى الدلتا الجديدة ومتفرعه فى الوادى الجديد والواحات والعوينات.

وإذا كنا نريد «جمهورية جديدة» حقًّا فإن عليها أن تتخلص من التقاليد المركزية، وتنظر فى الإقليم المصرى وترى ما فيه من فرص وإمكانيات مادية وبشرية. ما نحن بصدده حقًّا مرحلة جديدة ليس فقط فى البناء، وإنما أكثر من ذلك فى التفكير فى أن المرحلة المقبلة سوف تعتمد كثيرًا على قدراتنا الذاتية، وسوقنا المحلية، وتكاملها الإقليمى، فى بيئة تشتد فيها المنازعات والصراعات، بينما تكون علينا رعاية مائة وعشرين مليون نسمة فى المتوسط خلال السنوات الست المقبلة. باختصار، فإن واجبنا إزاء المشروع الوطنى المصرى أن نعرف من الآن أن العالم والإقليم الشرق أوسطى سوف ينتابه الكثير من القلق والاضطراب، الذى يلحق بالقوى المختلفة، التى لن يستثنى منها قوة عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية. مصر سوف يكون عليها دائمًا أن تكون رمانة الميزان، التى تعطى الشرق الأوسط الأمان والسلام، والواحة التى تخلق فرص الرخاء والازدهار؛ والتى فيها من الحكمة ما يكفى للسلوك الإيجابى بلا تورط، ومن الكمون الاستراتيجى ما يكفى للبناء بلا عزلة أو انكفاء.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التجربة والفرصة التجربة والفرصة



GMT 01:42 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

التوريق بمعنى التحبير

GMT 01:38 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

مَن يحاسبُ مَن عن حرب معروفة نتائجها سلفاً؟

GMT 01:34 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

كيسنجر يطارد بلينكن

GMT 01:32 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

غزة وانتشار المظاهرات الطلابية في أميركا

GMT 01:29 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

من محمد الضيف لخليل الحيّة

GMT 01:26 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

صلاح السعدني صالَح الحياة والموت

GMT 09:27 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 09:25 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!
  مصر اليوم - أحمد حلمي يكشف أسباب استمرار نجوميته عبر السنوات

GMT 10:05 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الثروة الحقيقية تكمن في العقول

GMT 13:33 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

أفكار بسيطة لتصميمات تراس تزيد مساحة منزلك

GMT 00:00 2019 الأحد ,17 شباط / فبراير

مدرب الوليد يُحذِّر من التركيز على ميسي فقط

GMT 12:26 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

تدريبات بسيطة تساعدك على تنشيط ذاكرتك وحمايتها

GMT 20:58 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

مؤشر بورصة تونس يغلق التعاملات على تراجع

GMT 16:54 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

"اتحاد الكرة" يعتمد لائحة شئون اللاعبين الجديدة الثلاثاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon