توقيت القاهرة المحلي 07:27:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

في ضرورة المراجعة الاستراتيجية

  مصر اليوم -

في ضرورة المراجعة الاستراتيجية

بقلم : عبد المنعم سعيد

هناك حزمة من الأحداث الكبرى التي ألمت بدول عربية، خلال الفترة القصيرة الماضية، وكلها تمس الأمن القومي لهذه الدول، من ناحية، والأمن القومي العربي الجماعي، من ناحية أخرى. آخر هذه الأحداث ما كان قبل أسبوع من اجتياح الجيش التركي لمنطقة شمال سوريا إيذاناً بشن عمليات عسكرية ضد المواطنين الأكراد في الدولة السورية. لم يكن الغزو مفاجئاً لأحد، فقد جرى التحضير له من خلال تفاهم أميركي - تركي تنسحب بمقتضاه الولايات المتحدة عسكرياً، تاركة حلفاءها من «قوات سوريا الديمقراطية» في العراء، ويعلن الطرفان الأميركي والتركي عن إنشاء منطقة آمنة. ولم تفلح تصريحات الرئيس الأميركي حول استمراره في تأييد الأكراد في التغطية على هذا الاتفاق، حتى ولو جرى الحديث عن التزامات تركية بعدم المساس بالمدنيين، أو العدوان على الأكراد السوريين، والحفاظ على 32 ألفاً من «الداعشيين» وأسرهم، ومنعهم من ممارسة الإرهاب. قبل ذلك وبفترة غير بعيدة، قامت إيران بالاعتداء المباشر على المواقع النفطية السعودية بهجوم كبير بالصواريخ والطائرات المسيرة. ولم يكن ذلك هو الاعتداء الأول، وإنما جاء لاحقاً لاعتداءات سابقة جرت على ميناء الفجيرة الإماراتي، وعلى حاملات النفط في قلب الخليج، وعلى مطار أبها السعودي. ولم تشكل الإعلانات الحوثية عن المسؤولية براءة للدولة الإيرانية من استخدامها لهذه الأسلحة بالأصالة أو بالوكالة، فوفقاً لكل البراهين والأدلة المتاحة، فإن إيران كانت وراء هذه الهجمات مباشرة أو من خلال المال والسلاح والتدريب. ورغم إعلان وزير الخارجية الأميركي، بومبيو، عن أن التصرفات الإيرانية كانت «إعلاناً للحرب»، وما سبقه من تدمير طائرة مسيرة أميركية في المياه الدولية، فإن الرد الأميركي على السلوك الإيراني أنه لم يكن جارياً في الأراضي الأميركية! ومواكباً لذلك كله، وبعد سنوات من التفاوض، ودعوة مراكز للبحوث والتقدير، فيما يتعلق بالتأثيرات السلبية لسد النهضة الإثيوبي على دول المجرى والمصب، أي السودان ومصر، فإن إثيوبيا عادت مرة أخرى إلى تجاهل الحقوق التاريخية المصرية في مياه نهر النيل الدولي. التعليق الأميركي على المواقف الإثيوبية جاءَ باهتاً وغير معبر عن المصالح الحيوية المصرية؛ ولكنه كان مشجعاً منذ فترة للمواقف الإسرائيلية بضم القدس والجولان والتوسع بالمستوطنات داخل الضفة الغربية من خلال نقل السفارة الأميركية إلى القدس.
خلاصة كل ما سبق، وغيره كثير، أن القوى الإقليمية جميعها - إيران وتركيا وإسرائيل - حاولت بشكل أو بآخر استغلال حالة نقصان المناعة التي ألمت بالإقليم العربي منذ نشوب ما سمي «الربيع العربي»، وراحت كل واحدة منها في التهام الأرض أو النفوذ أو المصالح على حساب الدول العربية أو كل ذلك معاً. والأمر هكذا، فإنه يحتاج مراجعة كاملة للاستراتيجيات العربية التي قامت على وجود علاقات «خاصة» مع الولايات المتحدة تكفل تحقيق التوازن مع القوى الإقليمية المعادية، أو تشكل جسراً معها أو ردعاً لطموحاتها الإقليمية. في الواقع العملي ثبت أن ذلك ليس صحيحاً، وأن واشنطن تحت إدارة دونالد ترمب، تعيش حالة من الانسحاب العالمي، والخوف من التورط في حروب «لا نهاية لها»، كما قال الرئيس الأميركي، وبعد أن كانت الولايات المتحدة قوة رادعة أصبحت تتجه إلى القوة الرخوة التي تتخلى عن حلفائها عند كل واقعة. كما قامت هذه الاستراتيجيات في الوقت نفسه على وجود علاقات خاصة بسبب النفط مع القوى الدولية الأخرى مثل اليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة، ولكن ممارسات هؤلاء خلال الأزمات الماضية لم ترتفع إلى مستوى الأحداث، واكتفت بمحاولات غير مؤثرة للوساطة والعمل الدبلوماسي. وظهر أن هذه القوى مشغولة بانتظار خروج الولايات المتحدة من حالتها، فضلاً عن مواجهة مشكلاتها الخاصة بالحذر من الصين أو «بريكست» ومستقبل الاتحاد الأوروبي. أخيراً فقد كان هناك اعتقاد في وجود قوة خاصة للقانون الدولي وهيئات الأمم المتحدة من مجلس الأمن إلى الجمعية العامة لحسم النزاعات مع دول الجوار الإقليمي. واقع الأمر مرة أخرى أثبت أن هذه القوة قليلة الحيلة في مواجهة قوى عدوانية مصممة على استغلال الحالة الراهنة للنظام الدولي، وما فيه من وهن، والنظام الإقليمي، وما فيه من ضعف، لاستخدام القوة العسكرية في الابتزاز والحصول على امتيازات لا يستحقونها.
هذه الأوضاع غير المواتية تأتي في وقت تنشغل فيه الدول العربية بالإصلاح الجذري لجبهاتها الداخلية، وشحذ همتها في اتجاه التقدم؛ ومن ثم يكون من الصعب الدخول في مواجهات وتوترات تخل من تحقيق هذا الهدف. المعادلة هكذا بين الداخل والخارج صعبة، ولكنها ليست مستحيلة إذا ما كان هناك اقتناع بعدم انتظار «جودو» الأميركي الذي لن يأتي في المدى القريب على الأقل. والحقيقة أن هناك خيارات مفتوحة يقع في مقدمتها أن مراجعة الاستراتيجيات القائمة تكون في إطار عربي يعتمد على ما تم من قبل من تحالف رباعي، ومناورات مشتركة، كان آخرها «الموج الأحمر» الذي جرى بين دول عربية في إطار البحر الأحمر. المراجعة أيضاً تقتضي التعرف على طبيعة النظام العالمي المعاصر الذي انتهت فيه تماماً الولايات المتحدة، باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم وقائدة «العولمة» والموجه الرئيسي للتطورات التكنولوجية الكبرى في الدنيا كلها. ومن دون الدخول في كثير من التفاصيل التي سبق لنا في هذا المقام تناولها، فإن العالم الآن له طبيعة ثلاثية تضم الولايات المتحدة والصين وروسيا؛ وإذا كانت الأولى تنسحب، والثانية محافظة في إقدامها إلى الشرق الأوسط، فإن الثالثة تقع الآن في قلبه، ولها علاقات وثيقة بكافة الأطراف. وبقي أن روسيا هي حالياً التي يقع معها مفاتيح المشرق العربي والعلاقات المتشعبة الخاصة بالأزمة السورية وامتداداتها العراقية. ولذلك فربما تكون زيارة فلاديمير بوتين للسعودية بادرة انفتاح على فرص جديدة.
ولعل المقترح الروسي بعقد مؤتمر للأمن الإقليمي يفتح باباً واسعاً للحركة العربية، حينما ينضم الأمن إلى التنمية في حزمة واحدة. تفاصيل ذلك ليست من النوعية التي يتم تداولها في الصحف، وإنما يجري بحثها في أطر سياسية ودبلوماسية تقوم أولوياتها على تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط ليس فقط بمنع التدخل في شؤون دول المنطقة، والحفاظ على تكاملها الإقليمي، وإنما يُضاف إلى ذلك وقف سباق التسلح، ومكافحة الإرهاب. نقطة البداية هي إدانة التدخلات العسكرية التركية والإيرانية في الإقليم مع إقامة علاقات قائمة، ليس فقط على عدم الاعتداء، وإنما على حسن الجوار، وتبادل المنافع، ووقف الحملات الإعلامية، ووقف إطلاق النار على كل الجبهات التي تطلق النيران فيها، سواء في اليمن أو في سوريا. الأمر كله يحتاج قمة عربية سياسية يكون فيها التداول على كيف يكون للعرب استراتيجية جديدة وجادة؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في ضرورة المراجعة الاستراتيجية في ضرورة المراجعة الاستراتيجية



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:49 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك
  مصر اليوم - افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك

GMT 12:36 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها
  مصر اليوم - أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها

GMT 02:55 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

نيللي كريم تتحدث عن ظهورها في فيلم "كازابلانكا"

GMT 20:58 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

دي ليخت بين مطرقة عمالقة أوروبا وسندان برشلونة

GMT 18:43 2019 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

خبير أرصاد يُحذّر من استخدام الكمامات في العاصفة

GMT 12:42 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

خطرٌ يُهدد حياتك بسبب النوم أكثر أو أقل من 8 ساعات يوميًا

GMT 02:16 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

بدران يؤكد أن الموز يُخفّف حموضة المعدة

GMT 12:55 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

مباراة توتنهام ضد تشيلسي تخطف الأضواء في الدوري الإنكليزي

GMT 03:34 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

مميزات استخدام ديكور الجدران الخرسانية في غرف النوم

GMT 21:44 2018 الأحد ,09 أيلول / سبتمبر

تفاصيل جديدة مثيرة في واقعة "مذبحة الشروق"

GMT 23:32 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

صخرة برشلونة مهددة بالغياب عن مواجهة فياريال
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon