توقيت القاهرة المحلي 10:27:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قانون الإيجار.. والتنازع بين العدالتين القانونية والاجتماعية

  مصر اليوم -

قانون الإيجار والتنازع بين العدالتين القانونية والاجتماعية

بقلم: زياد بهاء الدين

التقط الناس أنفاسهم الأسبوع الماضى بعد تدخل السيد رئيس الجمهورية لتوجيه الحكومة بإعادة النظر فى مشروع قانون الإيجار المعروض على البرلمان.

هذه المهلة ربما تسمح لنا بالتفكير الهادئ فى موضوع بالغ الخطورة لتعلقه بواحدة من أهم القضايا الاجتماعية والإنسانية التى تشغل الناس.

فالتناقض بين رؤى ومصالح مختلفة فى المجتمع ليس أمرًا مزعجًا فى حد ذاته ولا غريبًا، بل هو الوضع الطبيعى. وسبب وجود برلمانات - خاصة إذا كانت منتخبة حقيقة وممثلة للشعب - هو إيجاد آلية دستورية للتفاوض المجتمعى بين المصالح المتناقضة والاحتياجات المتعددة فى ظل الموارد المحدودة.

إذن لنقبل أن هناك بالنسبة لقانون الإيجار تناقض وتنازع بين المصالح. ولكنه فى تقديرى ليس فقط بين ملاك ومستأجرين ولا بين أصحاب دخول وأصحاب معاشات ولا بين الشباب وكبار السن، بل إن فى خلفية هذه التناقضات العملية - إذا جاز التعبير - تنازعًا أهم بين مفهومى العدالة القانونية والعدالة الاجتماعية.

مفهوم العدالة القانونية، فى نظامنا الدستورى الحالى الأميل إلى الليبرالية، يعتبر أن الملكية الخاصة مصونة ولا يجوز المساس بها إلا فى أضيق الحدود وتحت رقابة القضاء. وهذا المفهوم لابد أن ينتهى بالضرورة إلى رفض امتداد عقد الإيجار وتثبيت قيمته الإيجارية لأن الأمرين فيهما مساس واضح بحق الملكية الخاصة وبحق المالك فى الاستفادة بثروته دون قيد أو شرط. هذا منطق قانونى سليم فى حد ذاته. أما مفهوم العدالة الاجتماعية فينظر إلى الواقع والظروف التى يعيشها الناس وما يحقق الأمن الاجتماعى بينهم. وهو لذلك يرفض إنهاء العلاقات الإيجارية الممتدة من عشرات السنين ليس لأن هذا وضع سليم قانونًا، بل لأنه ضرورى اجتماعيًا نظرًا لأن السماح بإنهاء العلاقات الإيجارية القائمة فورًا يعنى وضع قطاع لا يستهان به من المجتمع فى حرج بالغ وفى خطر الطرد من البيوت التى لا بديل عنها للكثيرين (وليس للجميع). وهذا أيضًا منطق اجتماعى سليم.

لهذا فإن الجدل حول ما إذا كان إنهاء الإيجارات القديمة سليمًا قانونا أم أن استمرارها مطلوب اجتماعيًا، هو فى النهاية جدل عقيم، لأن المنظورين صحيحان، ولا مجال لتفضيل واحد على الآخر بادعاء أنها مسالة قانونية محض أو اجتماعية فقط. إذن ما العمل؟ وكيف يمكن التوفيق بين المنطقين القانونى والاجتماعى؟ والإجابة فى تقديرى غير ممكنة إلا بالاستناد إلى ثلاثة مبادئ لا يمكن التقدم بدونها: المبدا الأول أن اتخاذ قرار بهذه الأهمية وهذا التعقيد يحتاج معلومات دقيقة، وإلا يصبح الأمر ضربًا من التنجيم. معلومات عن عدد الوحدات الخاضعة للنظام الإيجارى القديم، ومن يملك من مستأجريها مساكن أخرى، والأوضاع الاجتماعية للمستأجرين، وغير ذلك من البيانات التى لا أتصور أن تكون غير موجودة مع تكنولوجيا المعلومات الحالية ولو بجهد يجب أن تبذله الجهات المعنية.

المبدأ الثانى - مرة أخرى- أنه لا يوجد حل واحد لموقف معقد ومتعدد الجوانب بهذا الشكل، بل توافر المعلومات يجب أن يتيح وضع سياسة شاملة وعادلة تتعامل مع الفئات المختلفة والحالات شديدة التباين.

أما المبدأ الثالث والأخير فهو أن هذه الفجوة الطبيعية بين العدالة القانونية والعدالة الاجتماعية هى بالضبط ما يجب أن تكون الدولة واعية به لكى تتدخل لملء الفراغ الناجم عنها. بمعنى آخر هو فإن كانت هناك حالات كثيرة لا يمكن التوفيق فيها بين القانونى والاجتماعى - ولا أظن أنها كل الحالات الإيجارية القديمة بل بعضها - فإن هذا هو ما يجب أن يكون للدولة فيه سياسة اجتماعية وأن تدير له الموارد لتدعم وتساعد من يستحقون إلى أن تنتهى العلاقة الإيجارية بعد المدة المقررة. وأنا لست هنا فى مجال اقتراح قواعد تفصيلية لأن المعلومات المطلوبة غير متوافرة، وإنما قصدى أن ألقى الضوء على فكرة محددة، وهى أن التناقض بين القانونى والاجتماعى لن يزول بالتشريع فقط بل بتدخل الدولة حيثما يكون ذلك ضروريًا. الموضوع حقيقة مهم ومعقد، وأمامنا مهلة ليست بالطويلة لكى نعيد النظر فى الموضوع، ونتعامل معه بالدراسة والفهم والمعلومات التى توفق فعلًا بين القانونى والاجتماعى، وهذا تعريف السياسة الرشيدة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قانون الإيجار والتنازع بين العدالتين القانونية والاجتماعية قانون الإيجار والتنازع بين العدالتين القانونية والاجتماعية



GMT 10:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل سوريا بين إسرائيل… وأميركا وتركيا

GMT 10:22 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيز إسرائيل على طبطبائي… لم يكن صدفة

GMT 10:20 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

خطورة ترامب على أوروبا

GMT 10:15 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

المفاوض الصلب

GMT 10:12 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مشكلتنا مع «الإخوان» أكبر من مشكلات الغربيين!

GMT 10:07 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

إعلان الصُّخير... مِن «دار سَمْحين الوِجِيه الكِرامِ»

GMT 10:04 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

اصنعوا المال لا الحرب

GMT 09:57 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

توسعة الميكانيزم... هل تجنّب لبنان التصعيد؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt