توقيت القاهرة المحلي 08:41:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غزة ولبنان.. بعد عام

  مصر اليوم -

غزة ولبنان بعد عام

بقلم: زياد بهاء الدين

مع حلول السنوية الأولى لبدء الحرب فى غزة، كانت الآمال معقودة على قرب تسوية لإنهاء العدوان الاسرائيلى على غزة وتسهيل عمليات الإغاثة وفتح باب إعادة الإعمار. ولكن بدلًا من ذلك فتحت إسرائيل جبهة لبنان على مصراعيها، وبدلًا من حرب واحدة صارت حربين، وانضم للضحايا خلال أسبوع واحد ألف قتيل مدنى فى لبنان ومليون مهجر أو لاجئ قبل أن يبدأ الاجتياح البرى المرتقب.

إسرائيل تستغل الفرصة الفريدة لتضافر عدد من الظروف الدولية والإقليمية ليس فقط لضرب البنية التحتية لحماس وحزب الله، ولكن أيضًا لإعادة ترتيب الأوضاع السياسية فى المنطقة:

دوليًا، فإن العالم الغربى مشغول بحرب روسيا- أوكرانيا التى تسارعت وتيرتها فى الشهور الماضية، وبمشاكل اقتصادية واجتماعية أوروبية وإعادة تشكيل أجهزة مجلس الوحدة الأوروبى، وبالقلق من نمو النفوذ الصينى دون اتفاق على سياسة واحدة لمجابهته، وطبعًا بالانتخابات الأمريكية التى لن يجرؤ أى من أطرافها على محاسبة إسرائيل.

وإقليميًا، فإن الوطن العربى لم يكن فى وقت أكثر انقسامًا وتشتتًا مما هو عليه الآن، بين بلدان تشهد حروبًا أهلية وأخرى تعيد بناء كياناتها التى تفككت فى العقدين الماضيين، وأخرى تعانى من أزمات اقتصادية واجتماعية تستحوذ على كل اهتمامها، ودول تبحث عن فرصة مناسبة لإقامة جسور التواصل والتعاون مع إسرائيل.

أما فيما يخص الرأى العام العربى فهو صامت وساكن حيال الاعتداء الإسرائيلى على غزة ثم لبنان. وقد كنت أميل إلى الاعتقاد بأن الغضب موجود والرغبة فى التعبير عنه قائمة، لا يمنعها إلا القوانين المنظمة لحريات التظاهر والعمل الحزبى والنقابى فى مختلف أنحاء الوطن العربى. وأظن أن قدرًا من هذا صحيح بالفعل. ولكن مع الوقت بدأت أخشى من أن يكون غياب التعبير عن هذا الغضب يرجع لأسباب أعمق من ذلك. هناك ربما يأس فى الشارع العربى من إحداث تغيير جذرى وعادل، وهناك فقدان للرغبة فى الانخراط فى أى نشاط سياسى أو شعبى، وهناك انقسام حقيقى ومكتوم فى الرأى حيال منظمتى حزب الله وحماس، وهناك انشغال بمشاق ومتاعب الحياة، كلها عوامل جعلت الشارع العربى يغضب ويحزن ولكن لا يتحرك تعبيرًا عن ذلك.

وأخيرًا، فإن رد الفعل الإيرانى الأخير لم يحقق حتى الآن إلا إعطاء إسرائيل المبرر العسكرى والغطاء السياسى للاستمرار فى عدوانها على لبنان دون اعتبار للضحايا المدنيين، ومنح رؤساء الدول الكبرى- وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا- الفرصة لتجديد التزامها بكل ما يضمن لإسرائيل أمنها وسلامتها وحقها فى الدفاع عن نفسها.

وقد استغل المتحدث العسكرى الإسرائيلى هذا الموقف أفضل استغلال إذ لم يتوقف خلال الأيام الماضية عن ترديد أن إسرائيل تحارب بمفردها على عدة جبهات وتواجه أعداء متنوعين، سواء حماس أم حزب الله أم القوات الحوثية أم غيرها. وهذه الصورة الذهنية لواحة الديمقراطية والحداثة الواقعة فى محيط من التخلف والتطرف والعداء للسامية هى بالضبط ما تسعى إسرائيل دومًا لتأكيده وتغذيته كى يظل لها مطلق الحرية فى ارتكاب ما يحلو لها من العدوان والحصار والاستعمار دون مساءلة أو حتى لوم.

صحيح أن فظاعة العدوان الإسرائيلى على غزة بالذات أبرزت بعض العناصر الداعمة للحق الفلسطينى، وعلى رأسها الحركة الشبابية والطلابية العالمية التى اكتسبت زخمًا واتساعًا غير مسبوق، ومحاولات محاسبة إسرائيل أمام المحاكم الدولية، وبروز مواقف حاسمة لبعض البلدان الأوروبية (أيرلندا والبرتغال وإسبانيا بالذات)، إلا أن إسرائيل تعول هنا على عنصر الوقت، وعلى استيعاب الضغوط السياسية والدبلوماسية لحين إنهاء العمليات العسكرية ثم توجيه الاهتمام والموارد الإعلامية والسياسية والمالية نحو إعادة توجيه الرأى العام الشبابى لوجهة مختلفة غير معادية.

ولكن برغم ما سبق، وبرغم ما يبدو على السطح من أن إسرائيل قد نجحت فى استغلال مجموعة الظروف والعوامل التى أشرت إليها كى تحقق كل ما كانت تطمح إليه فى غزة ولبنان، إلا أن المفارقة فى هذا المشهد المأساوى أن كل هذا لم يحقق لإسرائيل النصر الذى تحلم به ولن يحققه. فحجم الدمار والقتل والتهجير والتجويع فى غزة بالذات أكبر من أن يُنسى، والتغير فى الرأى العام الشبابى العالمى أكثر عمقًا من مجرد مظاهرات واعتصامات عابرة، وحالة الدمار الشامل التى خلفها العدوان الإسرائيلى قد تقضى على البنية التحتية لمنظمتى حماس وحزب الله ولكنها لن تغلق منابع العنف بل ستضيف إليها طاقة جديدة، وإسرائيل ستجد نفسها بعدما تنتهى الحروب فى عزلة أكبر وفى حاجة لإعادة تقييم ما جرى وتقدير ثمن ما ارتكبته من جرائم بحق الإنسانية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة ولبنان بعد عام غزة ولبنان بعد عام



GMT 08:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

الطبع فيه غالب

GMT 08:38 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مصر في مواجهة سيناريو «العبور بلا عودة»

GMT 08:30 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مَن يلقى سلاحه يُقتل

GMT 08:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيا والقبعات المتعددة

GMT 08:21 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

كارثة وفاة سباح الزهور

GMT 08:19 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

عبد الوهاب المسيرى.. بين عداء إسرائيل والإخلاص للوطن

GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt