توقيت القاهرة المحلي 01:24:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القراءة العكسية لتجربة إردوغان

  مصر اليوم -

القراءة العكسية لتجربة إردوغان

بقلم:عمرو الشوبكي

أثار الحكم الذي أصدرته إحدى المحاكم التركية بسجن عمدة إسطنبول أكرم داود أوغلو بتهمة الفساد انقساماً حاداً داخل تركيا، وانقساماً أشد في بعض البلدان العربية على خلفية الانقسام بين التيارات المدنية وتيارات الإسلام السياسي.

والحقيقة أن أحد الأخطاء الشائعة في بعض الدول العربية أنها تقرأ ما يجري في تركيا بالعين ذاتها التي تقرأ بها الانقسام حول تجربة «الإخوان» وفصائل الإسلام السياسي في مصر، بل وروَّج البعض لتهمة مضحكة حين عدّوا الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحزبه جزءاً من التنظيم الدولي لـ«الإخوان»، وبالتالي نظروا لكل ما يجري في تركيا على أنه انقسام بين ممثل تيار الإسلام السياسي في تركيا أي إردوغان والتيارات المدنية ممثلة في «حزب الشعب الجمهوري»، في حين أن الواقع والتجربة التركية بعيدة عن هذه النظرة.

والأمر المؤكد أن تجربة «حزب العدالة والتنمية» في تركيا ليست لها أي علاقة بـ«الإخوان» والتنظيم الدولي، صحيح أن إردوغان وظَّف ورقة الإسلام السياسي وعدّها إحدى أذرعه في المنطقة وراهن في فترة على ورقة «الإخوان» لتحقيق مصالحه الإقليمية، وبعد أن اكتشف أنها ورقة خاسرة أعاد حساباته بكل براغماتية وعاد للنموذج الطبيعي في التعامل مع الدول بصرف النظر عن اتفاقه واختلافه معها في بعض أو كثير من الملفات.

إن تركيا مثل أي دولة إقليمية كبرى صنعت حلفاء وتابعين وأنصاراً في أكثر من بلد، ومنها بلدان عربية وتجلى ذلك في نجاحها في هندسة التغيير في سوريا ودعم الفصائل الإسلامية المسلحة حتى وصلت للحكم.

ومن هنا، فإن تجربة إردوغان في الخارج هي تجربة براغماتية تنظر لتيارات الإسلام السياسي العربية نظرة فوقية وعدَّت بعضهم أدوات يمكن توظيفها أو حلفاء يمكن الاعتماد عليهم ولو بشكل متبادل. أما في الداخل فهي في الحقيقة تعد أقرب لتجارب الدول العربية المدنية ولخطاب التيارات المدنية العربية أكثر من تيارات الإسلام السياسي، على عكس ما يتصور البعض الذين ظلوا أسرى ثنائية المدني والإسلام السياسي في السياق العربي التي تختلف تماماً عن السياق التركي.

إن بدايات الخبرة العلمانية التركية كانت إقصائية وفرضت نموذجاً حداثياً علمانياً يستبعد الدين من المجال العام وليس فقط المجال السياسي، ولكنها في الوقت ذاته فصلت الدين عن السياسة وهي قيمة مهمة ظلت باقية على مدار أكثر من 100 عام هي عمر الجمهورية التركية.

إن التحول الذي أحدثه إردوغان في النموذج العلماني يكمن في أنه اقترب أكثر من الدساتير المدنية العربية في التعامل مع الإسلام وإن كان ظل أكثر علمانية منها (رغم اتهامه بأنه إسلام سياسي) فقد احتاج إردوغان إلى ما يقرب من 20 عاماً ليصل إلى صيغة احترام حق النساء في ارتداء الزي الذي يرينه مناسباً، وسمح لهن بارتداء الحجاب من عدمه والذهاب للجامعات ودخول البرلمان والعمل في كثير من الوظائف الحكومية بصرف النظر عن طبيعة زيهن.

وهنا اقتربت تركيا أيضاً من النماذج العلمانية الأوروبية التي لا تتدخل في أزياء النساء إلا النموذج الفرنسي الذي يمنع ارتداء الحجاب في كل المؤسسات العمومية من مدارس ومصالح حكومية.

وقد ظلت تركيا في عهد إردوغان من البلاد الإسلامية النادرة التي تجد فيها السياح أو المواطنين الأتراك على مدار أيام السنة في المقاهي والملاهي بكل حرية ومن دون أي مشاكل.

لم يغير إردوغان جوهر المبادئ العلمانية التي وضعها مصطفى كمال أتاتورك الذي ما زالت صوره في كل مكان في تركيا، إنما جعلها أقرب للقيم الليبرالية الحديثة التي تقبل بالتنوع وتدير خلافاتها بالطرق السلمية التي لا تخلو أحياناً من سخونة وحدة.

صحيح أن إردوغان كثيراً ما تصرف مع خصومه بصفته أنه زعيم «شرق أوسطي» وأسس نظاماً فيه أبعاد سلطوية كثيرة ينتقم ويستهدف ولكنه ليس نظاماً دينياً إسلامياً، كما أنه لا يستطيع أن يلغي المعارضة أو يحل «حزب الشعب الجمهوري» لأن تركيا تغيرت ولم تعد مستعدة لقبول ذلك، كما أنه من الصعب أن يلقي القبض على زعيم معارض بوزن عمدة إسطنبول من دون أن تكون هناك شبهة فساد، صحيح أنه اختار التوقيت الذي يناسبه، وصحيح أيضاً أنه في حالات أخرى حمى فاسدين لأنهم مقربون منه.

تجربة إردوغان مملوءة بأخطاء كثيرة يمكن الاختلاف مع كثير أو قليل منها، إلا أنها على مستوى الفكر والممارسة هي ليست أقرب لتجارب أو مشاريع الإسلام السياسي العربية التي تدافع عنه كل يوم، إنما هي أقرب للتجارب المدنية العربية التي تنتقده (أو ينتقده جانب منها)، وإنه بات مطلوباً العمل على امتلاك نظرة واقعية ومتوازنة للتجربة التركية تؤسس لعلاقة مستقرة فيها فهم واحترام متبادل للمصالح المشتركة بين العرب والأتراك.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القراءة العكسية لتجربة إردوغان القراءة العكسية لتجربة إردوغان



GMT 14:15 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

نهاية حزينة لشارع الحمرا…

GMT 14:03 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو… إيران أولاً ودائماً… لماذا؟

GMT 13:48 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

القلعة الجوفاء: بعدما هدأ غبار الهجوم على إيران

GMT 09:00 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

«الست» أيضاً

GMT 08:59 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

تغيير الحدود ومواعيد نتنياهو

GMT 08:58 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

هل «الموديل» الغربي مُقدّس؟

GMT 08:57 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

تعقيدات الهُويَّة وأنثروبولوجيا إسلام الخارج

GMT 08:55 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

لبنان وغزة... إدارة النزاع بدل إنهائه

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 00:48 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحكم بالمؤبد والمشدد على 5 رجال أعمال في تنظيم الإخوان
  مصر اليوم - مصر تحكم بالمؤبد والمشدد على 5 رجال أعمال في تنظيم الإخوان

GMT 03:13 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

النوم الهادئ لا يعتمد على الدماغ فقط بل يبدأ من صحة الأمعاء
  مصر اليوم - النوم الهادئ لا يعتمد على الدماغ فقط بل يبدأ من صحة الأمعاء

GMT 10:26 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

إيمي سمير غانم تكشف سر ابتعادها عن التمثيل
  مصر اليوم - إيمي سمير غانم تكشف سر ابتعادها عن التمثيل
  مصر اليوم - تسلا تواجه انتقادات بعد وفيات ناجمة عن أعطال أبواب السيارات

GMT 17:26 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

نانسي بيلوسي تعتبر خطاب ترمب دليلا على عدم أهليته العقلية
  مصر اليوم - نانسي بيلوسي تعتبر خطاب ترمب دليلا على عدم أهليته العقلية

GMT 08:44 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الثور الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 08:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الحمل الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:52 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الدلو الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:49 2019 الأربعاء ,06 شباط / فبراير

نرمين الفقي تكشف عن" فارس أحلامها" للمرة الأولى

GMT 20:54 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

المنتخب ينصح إكرامي بالمشاركة أو الرحيل عن الأهلي

GMT 23:44 2019 الخميس ,08 آب / أغسطس

توتنهام الإنجليزي يخسر من إنتر الإيطالي

GMT 10:58 2019 الأربعاء ,24 تموز / يوليو

سعر المانجو في مصر اليوم الأربعاء 24-7- 2019

GMT 14:55 2019 الخميس ,18 تموز / يوليو

خواتم خطوبة ستخطف أنفاسك من أول نظرة

GMT 09:53 2019 الإثنين ,08 تموز / يوليو

وفاة شقيقة الفنانة أمينة

GMT 23:39 2019 الأحد ,07 تموز / يوليو

الساعات الملونة آخر موضة صيف 2019
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt