توقيت القاهرة المحلي 07:06:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تمرد المثقفين

  مصر اليوم -

تمرد المثقفين

عمار علي حسن

يحاول الذين أتوا بوزير الثقافة من غياهب النسيان ووضعوه على كرسى الوزارة أن يصوروا الاحتجاج ضده بأنه غضبة مجموعة موظفين تقاوم من أجل مصالحها المهضومة، وتسعى إلى استعادة وضعها المميز الذى انزلقت عنه، أو أنه موقف عابر من علمانيين يكرهون الإسلام ويتحمسون للتفلت والانحلال، أو أنه محاولة جديدة من فلول نظام مبارك للكيد لمسيرة الثورة ومسار الإخوان المعوج، ومواقف أتباعهم وأنصارهم، من المغيبين والمنتفعين والمخدوعين. لكن هذه الدعاية الرخيصة لتشويه موقف المثقفين لم تعد تنطلى على أحد، لا سيما بعد أن ثبت للقاصى والدانى أن من جلسوا فوق كراسى الحكم، دون أن يكون هذا فى حسبانهم أو مبلغ أحلامهم وآمالهم، يكذبون كما يتنفسون، وأن لهم كتائب إلكترونية لا صناعة لها سوى إطلاق الشائعات، ونشر البذاءات، وتلبيس الباطل ثوب الحق، وبث الفرقة فى نفوس الناس حتى لا يتحدوا معاً، ويقوموا عليهم قومة رجل واحد فيخلعونهم كما تخلع الشوكة من الإصبع. إن معركة «الثقافة» ليست قضية الأدباء والفنانين والكتاب على اختلاف ألوان الإبداع الذى تجود بها قرائحهم وذوائقهم، وليست مجرد غضب من توسيد الأمر إلى غير أهله، أو نقل موظف هنا أو هناك، بل هى معركة كل المصريين دفاعاً عن روح بلدنا العريق العظيم، وعن جيناته الحضارية الراسخة، وقوته الناعمة السخية التى شكلت على مدار آلاف السنين جزءاً أصيلاً من رسالة مصر إلى الإنسانية جمعاء، والتى إن جرحت أو تبدلت أو خالطتها شوائب التخلف والجهل والرجعية فإن استعادتها ستكون أصعب بكثير من تعويض ما خسرناه فى مجال المال والاقتصاد. إن الثقافة ليست فقط كتباً تُقرأ، ولا شاشات عرض زاخرة بصور أفلام ملونة، ولا موسيقى تصدح بها آلات قديمة وحديثة، ولا خشبات مسرح تنطق فوقها ألسنة بنصوص متفاوتة القيمة والقامة، بل هى طرائق عيش وأسلوب حياة وموروث هائل من الفنون الشعبية التى أوجدتها القريحة الجمعية لكل المصريين وتراكمت على مدار آلاف السنين وهى جزء أصيل من حياتنا اليومية المتجددة وإلا صرنا آلات صماء أو جمادات خرساء أو حيوانات بلهاء. من هنا فكل المصريين يصنعون حياتنا الثقافية بأنواع مختلفة، وكلهم يجب أن يكونوا شركاء فى المعركة التى بدأت دفاعاً عن الثقافة. لقد تأخر أغلب المثقفين طويلاً فى أن يلقوا بأنفسهم أمام الناس دفاعاً عن هذا البلد، لكن ها قد جاءتهم الفرصة ليكفروا عن كثير من سيئاتهم ويستروا الأكثر من عوراتهم، ويثبتوا للمصريين جميعاً أنهم أول من يدفع وآخر من يأخذ، وهذا ما نادت به «حركة المثقفين المستقلين» التى كان لى شرف أننى واحد من مؤسسيها أيام حكم «مبارك» ووزارة فاروق حسنى، صاحب الحظيرة، وهى حركة كانت تؤمن بأن أصحاب الأقلام هم أول من يتقدم الصفوف، ويدفع الثمن، مهما كان فادحاً. لهذا يجب أن تدوم قومة المثقفين تلك، ليس ضد شخص عابر فى تاريخ الثقافة المصرية وبيروقراطيتها العتيدة، إنما من أجل روح مصر، التى ظلت دوماً «وثيقة من جلد رقيق الإنجيل فيها مكتوب فوق هيرودت وفوق ذلك القرآن وتحت الجميع لا تزال الكتابة القديمة تقرأ بوضوح وجلاء»، والتى أعطت التدين من روحها، مع اليهودية والمسيحية والإسلام، وقبلها مع «توحيد إخناتون» ومبادئ كثيرين ربما بعضهم أنبياء لم يأتِ ذكرهم فى القرآن: «منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك». ودوام هذه الانتفاضة لن يتم إلا إذا التحمت بأشواق شعبنا إلى العدل والحرية والكفاية، وبحركة الجماهير الساعية إلى الانعتاق من الاستبداد والفشل والفساد، وبكل روافد الثقافة المصرية على رقعة الوطن من أقصاه إلى أدناه. فلندعُ كل الكتاب والمبدعين من كل المدن والقرى والنجوع والكفور بالانضمام إلى هذه الطليعة التى قامت، والذود عن روح مصر وحضارتها، وليبقَ الباب مفتوحاً أمام كل من يشعر بالمسئولية الأخلاقية حيال الوطن، ليأتى ويقول كلمته فى وجه الخرس والعمى. نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تمرد المثقفين تمرد المثقفين



GMT 01:42 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

التوريق بمعنى التحبير

GMT 01:38 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

مَن يحاسبُ مَن عن حرب معروفة نتائجها سلفاً؟

GMT 01:34 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

كيسنجر يطارد بلينكن

GMT 01:32 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

غزة وانتشار المظاهرات الطلابية في أميركا

GMT 01:29 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

من محمد الضيف لخليل الحيّة

GMT 01:26 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

صلاح السعدني صالَح الحياة والموت

GMT 09:27 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 09:25 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 10:05 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الثروة الحقيقية تكمن في العقول

GMT 13:33 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

أفكار بسيطة لتصميمات تراس تزيد مساحة منزلك

GMT 00:00 2019 الأحد ,17 شباط / فبراير

مدرب الوليد يُحذِّر من التركيز على ميسي فقط

GMT 12:26 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

تدريبات بسيطة تساعدك على تنشيط ذاكرتك وحمايتها

GMT 20:58 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

مؤشر بورصة تونس يغلق التعاملات على تراجع

GMT 16:54 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

"اتحاد الكرة" يعتمد لائحة شئون اللاعبين الجديدة الثلاثاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon