توقيت القاهرة المحلي 20:06:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى البحث عن الحكماء

  مصر اليوم -

فى البحث عن الحكماء

فهمي هويدي

ما من بلد أذهب إليه فى العالم العربى إلا وأسأل: ألا يوجد فى مصر عقلاء وراشدون يحاولون رأب الصدع فى الجماعة الوطنية، ويعملون على اختراق الانسداد المخيم على الأفق السياسى فى البلد؟ الجميع يعرفون ما يجرى ويتابعون الحاصل فى الميادين والصحف والمحاكم من خلال البث التليفزيونى وشبكة التواصل الاجتماعى. صحيح أن الصورة مشوهة ومبالغ فيها لدى كثيرين خصوصا الذين يكتفون بمتابعة التليفزيون منهم، إلا أن دهشتهم كبيرة إزاء استمرار الانقسام والاستقطاب إلى الحد الذى كاد يلغى من الأذهان احتمال وجود المحايدين الوسطيين المقبولين من الطرفين. وتلك حقيقة محزنة يتعين الاعتراف بها، على الأقل بصورة نسبية. ذلك اننا نشهد تزايدا فى اتساع دوائر الاستقطاب وتراجعا وضعفا مستمرين فى قنوات الاتصال الأمر الذى يوحى بأن الجهد الذى يبذل لإقامة الجدران وتعزيز المعسكرات المتخاصمة بات يفوق بكثير محاولات إقامة الجسور فيما بينها. الدهشة تتزايد والحزن يتضاعف حين نجد أن بعض الرموز والمراجع التى احتفظت لنفسها تقليديا بموقع متميز ارتفع فوق الخلافات والحزازات، تخلت عن مواقعها واستدرجت إلى الاصطفاف، ومن ثم انتقلت من منصة الحكم إلى مقعد الخصم، فكرست الانقسام واستقالت تلقائيا من الدور المرجعى الذى كان منوطا بها. تقدم التجربة التركية لنا درسا بليغا فى هذا الصدد. فقد نجحت الحكومة فى التوصل إلى اتفاق مع الزعيم الكردى المحبوس عبدالله أوجلان على حل العقدة التاريخية المستعصية، بمقتضاه تتم الاستجابة لمطالب الكرد المتعلقة بالاعتراف بهويتهم القومية وبحقوقهم كمواطنين، وبالمقابل يلقى حزب العمال الكردستانى سلاحه، ويرحل مقاتلوه إلى كردستان العراق. وإلى جانب الخطوات الإجرائية والتنفيذية التى يتعين اتخاذها من جانب الحكومة والبرلمان، فإن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان دعا إلى تشكيل لجنة من الحكماء لكى تسهم من جانبها فى إحلال السلام فى البلاد. بعد إعلان انتهاء الصراع مع حزب العمال الكردستانى المستمر منذ ثلاثين عاما. اللجنة ضمت 63 من الشخصيات العامة، الذين كانوا خليطا من مختلف الاتجاهات السياسية والكتاب والمفكرين والفنانين وممثلى منظمات المجتمع المدنى. وقد اجتمع بهم أردوغان فى الأسبوع الماضى وقال لهم انه لا يريد منهم شيئا سوى ان يخاطبوا الناس فى مختلف أنحاء البلاد خلال شهرين لكى يستطلعوا رأيهم فيما يجب عمله لتحقيق السلام بين كل مكونات المجتمع التركى. وطلب منهم ان يضعوا خلاصة تواصلهم مع المجتمع فى تقرير يقدم إليه فى نهاية المدة، وسيكون ملزما من جانبه بالتوصيات التى يضعونها. وجدت فى التجربة عدة عناصر. أولها تفاهم هادئ بين الحكومة وبين أوجلان تم خلالها التوسط إلى حل يرضى الطرفين. وفى حدود علمى فإن حكومة أنقرة كانت صاحبة المبادرة وان مدير المخابرات التركية حقان فيدان هو الذى أجرى حوارات مطولة استغرقت عدة أشهر مع الزعيم الكردى، وبعد انهاء الاتفاق وإعلانه، دعى ممثلو القوى السياسية والنشطاء والشخصيات العامة لكى يستطلعوا رأى المجتمع فيما يتعين عمله لتحقيق تلك الغاية، وإلى جانب ذلك تعهد رئيس الوزراء بأن يلتزم بما يتم التوصل إليه من توصيات. وهو يعنى أن الأمر بدأ بمبادرة من جانب الحكومة، وتوافق مع الطرف الآخر، واستعانة بممثلى المجتمع لضمان الالتزام بالهدف المرتجى، وثقة فى التزام رئيس الوزراء بما يتم التوصية به فى ضوء استطلاع رأى المجتمع. أى هذه العناصر متوافر فى مصر؟ حين حاولت الإجابة عن السؤال اكتشفت ان الساحة فى مصر غير مهيأة لدور يقوم به الراشدون والعقلاء. ففرصة الحوار الهادئ غير متوافرة وسط الضجيج السياسى الذى يكاد يصم الآذان. ثم اننى لست متأكدا من أن الأجهزة الأمنية مستعدة لأن تقوم بدور فى تحقيق التوافق. فضلا عن ان الرئاسة لم تقدم مبادرة تسمح باللقاء مع المعارضة، كما ان المعارضة متشبثة بمواقفها وترفض بدورها ان تلتقى مع الرئاسة فى نقطة وسط. ومن بينها رموز تشكك فى شرعية الرئيس ولا تريد التفاهم معه، ثم إن من يفترض انهم حكماء بعضهم اختفى والتزم الصمت مؤثرا البعد عن التجاذب والأجواء المسمومة الراهنة، والباقون توزعوا على أحزاب المعارضة واصطفوا فى المعسكر المخاصم للحكومة. لأول وهلة يبدو الانسداد مخيما والأمل فى اختراقه يكاد يكون منعدما. لكنى لا استطيع ان أصدق أن مصر بكل ما تتمتع به من ثقل وعقول خلت من «الحكماء»، رغم الكلمة جرى ابتذالها لكثرة استعمالها فى غير موضعها، وفى الوقت نفسه لا استطيع أن أتوقع مضيا فى ذلك الاتجاه بغير مبادرة من رئاسة الجمهورية تتمتع بالجدية وتتوافر لها الصدقية اللازمة. لذلك فإننى اعترف بأن الأمر فى مصر بات معقدا وصعبا، لكنى لا استطيع ان أتجاهل ان مفتاح الاختراق المنشود يمكن أن يبدأ من مبادرة رئاسة الجمهورية، التى أرجو ألا يطول انتظارنا لها، لأن الوقت ليس فى صالح أى أحد وفى المقدمة منهم رئيس الجمهورية ذاته. نقلاً عن جريدة " الشروق "

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى البحث عن الحكماء فى البحث عن الحكماء



GMT 19:07 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

الاستقطاب السياسي بالشرق الأوسط

GMT 19:06 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

حرب غزّة والمأزق الأميركي

GMT 19:03 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

إدارة «المستبد العادل»

GMT 19:02 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

أوان الورد

GMT 19:01 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

اتفاق التهدئة على المحك

GMT 18:58 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

التاريخ حاسب مارادونا وليس الحكم!

GMT 18:57 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

يفكرون ثم يفكرون ونحن نجوجل

GMT 09:53 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

«فيتش» في وجهها «نظر»!!

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 16:37 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

زينة تضع شروطاً للبطولة الجماعية
  مصر اليوم - زينة تضع شروطاً للبطولة الجماعية

GMT 02:00 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

حكايات السبت

GMT 01:37 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 400 شخص إثر زلزال ضرب المناطق الحدودية بين إيران والعراق

GMT 07:47 2018 الأحد ,21 كانون الثاني / يناير

سهر الصايغ سعيدة بنجاح مسلسل "ولاد تسعة"

GMT 22:15 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

مؤشر بورصة لندن يغلق على ارتفاع طفيف الثلاثاء

GMT 07:43 2016 الأحد ,21 شباط / فبراير

فوائد الشليم

GMT 14:22 2017 الأحد ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب المصري يعتذر لسفير مصر في غانا محمد حيدر

GMT 11:43 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

كارمن سليمان تنشر فيديو عفوي تضع فيه المكياج

GMT 06:58 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

"كورونا" يراوغ في مصر وأرقام الإصابات خير دليل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon