توقيت القاهرة المحلي 08:22:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عاهات.. خدمة ذاتية!

  مصر اليوم -

عاهات خدمة ذاتية

بقلم:أسامة غريب

عندما قرأت رواية زقاق المدق لنجيب محفوظ منذ سنوات طوال كانت شخصية «زيطة»، صانع العاهات، من أكثر الشخصيات إثارة لانتباهى، حتى لقد أحدثت جدلًا داخل نفسى.. كيف يحتمل الإنسان أن يذهب بمحض إرادته إلى صانع العاهات ليقوم ببتر ساقه أو قطع يده أو فقء عينه فيصير بعدها مؤهلًا لشق طريقه فى عالم التسول، ومن ثَم يضمن ملء معدته يوميًا. كنت أسأل نفسى: هل الإنسان عبارة عن معدة فقط؟، ألا يوجد لدى هؤلاء بعض الكرامة أو الكبرياء أو الإيمان؟. فيما بعد فهمت أن الفقر يهوى بالإنسان إلى أسفل سافلين، فلا يتبقى سوى الغرائز التى تساوى بين الإنسان والحيوان، فتصير القضية الأساسية الملحة هى الوجبة التالية وكيف يمكن تدبيرها!.

هذا شأن زيطة وزبائنه، فما بال بعض الناس حتى اليوم يبدون وكأنهم خرجوا لنا من روايات نجيب محفوظ؟. لقد كشفت لى الأيام أن كثيرا ممن صعدوا اجتماعيا من أسفل السلم وحققوا الثراء الفاحش لايزالون غير مصدقين أن بإمكانهم أن ينعموا بالكرامة والاعتداد بالنفس، حتى ليخشوا أنّ الثروة التى تحققت بالخضوع والامتثال قد تضيع مع أول موجة كبرياء يفكرون فى اعتلائها، لهذا فإنهم يؤثرون الذل وهم أثرياء ولا يرضون عن الانبطاح بديلًا، ويتصرفون كأنهم خرجوا من تحت يد زيطة بعاهة أبدية لا يبرأون منها أبدا، وهى التى تضمن لهم الحياة المرفهة.

إننى لا أستطيع أن أمنع نفسى من الضحك عندما أرى أحد المسؤولين يجلس فى حضرة رئيسه وقد مال بجسمه إلى الأمام وهو على كرسيه، ولا يستطيع أن يسند ظهره إلى المقعد.. هل لاحظتم هذه الجلسة التى يخشى فيها المرؤوس من إراحة ظهره وكأن الجلسة المتوترة غير المريحة صارت من علامات إظهار الاحترام لمديره!. وهذا المدير نفسه يجلس الجلسة ذاتها أمام رؤسائه.. وهكذا. هذه الجلسة الخانعة الذليلة لم أشاهدها أبدا فى بلاد برة، حيث الناس يجلسون وظهورهم مفرودة وعمودهم الفقرى مستقيم فى حضرة أى إنسان، لقد شدت الحرية ظهورهم، وسلطان القانون حررهم، فى حين أن الديكتاتورية وعدم تفعيل القانون الهش خلقا لدى العرب تشوهات نفسية، وجعلا حتى الأغنياء منهم يعيشون من خوف الذل فى ذل. يقول الشاعر فى البيت الشهير: «ولم أر فى عيوب الناس عيبًا كنقص القادرين على الكمال». إن المشكلة اليوم هى أن الكثيرين من القادرين على الكمال قد اختاروا أن يُحدثوا بأنفسهم عاهات من أجل تحقيق الثروة وحمايتها. لم يعد زيطة مطلوبًا بعد أن تكفلوا بالقيام بعمله، فصار كل منهم معيوبًا معطوبًا، وفى الوقت نفسه مؤهلًا لحياة مليئة بالطعام والشراب.

ولا أظن نجيب محفوظ كان يتصور أن الظروف التى أفرزت زيطة وقت الحرب العالمية الثانية فى زقاق المدق سوف تستمر حتى الألفية الثالثة، وأن زبائنًا جددًا من طبقات موسرة سوف يبحثون عنه ويلتمسون مساعدته، حتى إذا عزّ وجوده، أحدثوا بأنفسهم العاهات!.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عاهات خدمة ذاتية عاهات خدمة ذاتية



GMT 08:11 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

المبالغة في التحذيرات “مثل قلتها”

GMT 08:09 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

حقّاً أهرام

GMT 08:08 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

أمامَ محكمة الرُّبعِ الأول

GMT 08:07 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

مِثال علاء عبد الفتاح

GMT 08:06 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

لبنان ومخاطر الإدارة المجتزأة

GMT 08:05 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

لقاء فلوريدا غير مسموحٍ له بالفشل

GMT 08:04 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

الحكاية ليست «الملحد»

GMT 08:02 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

فى متحف الشمع!

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 21:29 2025 الأحد ,28 كانون الأول / ديسمبر

البرهان يؤكد أن لا هدنة في السودان بوجود الدعم السريع
  مصر اليوم - البرهان يؤكد أن لا هدنة في السودان بوجود الدعم السريع

GMT 00:56 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

الصومال يتهم اسرائيل بالسعي لاقامة قواعد عسكرية في الاقليم
  مصر اليوم - الصومال يتهم اسرائيل بالسعي لاقامة قواعد عسكرية في الاقليم

GMT 21:41 2025 الأحد ,28 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يجري اتصالا مثمرا مع بوتين قبيل لقائه زيلينسكي
  مصر اليوم - ترامب يجري اتصالا مثمرا مع بوتين قبيل لقائه زيلينسكي

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 01:58 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الكهرباء

GMT 09:16 2022 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

سيارات هيونداي ترفع النقاب عن نسختها الجديدة سانتافي 2023

GMT 10:23 2021 الخميس ,17 حزيران / يونيو

Razer تعلن عن أحد أفضل الحواسب لمحبي الألعاب

GMT 09:26 2021 الأحد ,23 أيار / مايو

ترتيب الدوري المصري 2021 بعد نهاية الجولة 23

GMT 10:37 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

تعرف على من هو أحمد مناع أمين مجلس النواب 2021

GMT 07:00 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

4 أمور يُستحبّ فعلها قبل صلاة عيد الفطر المبارك

GMT 03:29 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

علاء مرسي يكشف عن ملامح دوره في مُسلسل "الضاهر"

GMT 02:31 2019 الإثنين ,18 آذار/ مارس

خاتم زواج الماس للمناسبات الخاصة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt