توقيت القاهرة المحلي 08:41:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ظاهرة تسخين المجتمعات العربية

  مصر اليوم -

ظاهرة تسخين المجتمعات العربية

بقلم:ممدوح المهيني

هذه الظاهرة قديمة، ولكنها لا تزال مستمرة. تستخدمها الأنظمة والتنظيمات المتطرفة والميليشيات الطائفية. هدفها تحشيد ورفع درجة غليان المجتمعات العربية لأغراض متعددة وبمساعدة من منصات ووسائل إعلام مؤدلجة، تقوم بعمليات التعبئة والتحريض بشكل مستمر.

أهداف هذه الظاهرة، أي ظاهرة تسخين المجتمعات العربية، متعددة. أول هذه الأهداف هو اكتساب الشرعية. تستخدم هذه الجهات آلية تسخين المجتمع وتتبنى خطاباً حربياً موجهاً للأعداء والمتآمرين في الغرب، خصوصاً من أجل اكتساب شرعية داخلية للحكم. وهذه طريقة يسيرة ولا تحتاج إلا إلى رفع الشعارات والقبضات الغاضبة، وتحدي العالم الخارجي، وإفشال المؤامرات.

الهدف الثاني هو الهروب من الداخل إلى الخارج وحرف الأنظار عن الفشل الاقتصادي والمعيشي والتعليمي، وربط اهتمام الناس بقضايا خارجية مرتبطة بالعاطفة الدينية والقومية. بناء اقتصاد ناجح وتطوير البنية التحتية وتشييد مؤسسات دولة فاعلة ومؤسسة تعليمية حديثة، أعمال ليست بالسهلة وتحتاج إلى كثير من الوقت والجهد والعمل. مروِّجو ظاهرة تسخين المجتمعات العربية يفشلون في كل هذا ويبحثون عن الحل الآخر، وهو البحث عن عدو خارجي وإعلان الحرب عليه ومنع الناس من الحديث عن الحرب الداخلية الأهم على الفساد والفقر والجهل، ومن هنا نفهم جيداً مقولة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».

الهدف الثالث لظاهرة التسخين هو التحشيد ونشر خطاب الكراهية والسخط والتعبئة داخل المجتمعات العربية. تقوم بهذا بشكل مستمر جماعات الإسلام السياسي السنية والشيعية، وتستخدم في العادة القضية الفلسطينية ذريعةً وأداةً لهذا السبب. والهدف ليس الانتصار للقضية الفلسطينية، ولكن من أجل تقويض شرعية الدول المعتدلة في المنطقة لأنها على عداء معها وتسعى لإسقاطها رغم كل الجهود الكبيرة التي قدمتها هذه الدول للقضية الفلسطينية. وما حدث في غزة مثلاً تحوَّل بوقت سريع من الهجوم على إسرائيل إلى التحريض على الدول الخليجية ومصر والأردن، وكأنها هي التي تقوم بقتل سكان غزة!

يعرف قادة تيارات الإسلام السياسي هذه الحقيقة، ولكنهم يسعون لاستغلال هذا الحدث من أجل تسخين المجتمعات العربية وإضعاف الدول المعتدلة وتساعدهم في ذلك وسائل إعلام مخصصة لهذا الغرض. وهذا ما يحدث الآن في سوريا؛ حيث تهدف جهات لتسخين المجتمع السوري من أجل دفع الحكومة في دمشق إلى مواجهة غير متكافئة مع إسرائيل وإفشال عملها في بناء بلد متعافٍ اقتصادياً وسياسياً وتركه بلداً مدمراً بفعل الحروب والصراعات المجانية. ومن الغريب أن بعض الحكومات تساعد من دون وعي في ظاهرة التسخين ضدها، وتقدم للجماعات المعادية لها المساعدات لتأجيج شعوبها ضدها.

كثير من قادة ظاهرة تسخين المجتمعات العربية انتهوا نهايات مأساوية. قام عبد الناصر بتسخين المجتمعات العربية كلها وانتهى إلى هزيمة 67 ومات بعدها بـ3 سنوات. صدام حسين سخّن العرب وانتهى في حفرة. بشار الأسد استخدم كل مصطلحات التسخين وهرب بالأموال إلى موسكو. حسن نصر الله سخّن جمهوره ولم يُدفَن إلا بعد 5 أشهر من مقتله. أسامة بن لادن أُلقيت جثته في البحر ودمر تنظيمه بعد جولات طويلة من التسخين والتحريض. الأمثلة كثيرة، ولكنهم تركوا خلفهم آثاراً سيئة، بلداناً مدمرة واقتصادات منهارة وشعوباً تائهة وأفواهاً جائعة وسيلاً من دماء الأبرياء.

السؤال الآن: لماذا تعود ظاهرة التسخين رغم إخفاقها مرة بعد أخرى؟ لماذا ينجح هؤلاء في استخدامها رغم فشلها سياسياً واقتصادياً؟ الجواب لأن التيارات الإسلاموية والقومية المتطرفة سيطرت على وعي الشعوب العربية لفترة طويلة وشحنتهم بثقافة لديها قابلة للاستجابة لمثل هذه الأفكار العاطفية. تم استغلال كل القضايا النبيلة لأهداف غير نبيلة. قضايا تتعلق بالدين والوطنية والأرض، كلها تحولت إلى أدوات لتعبئة المجتمعات وجعلها تعمل ضد نفسها وضد مستقبلها.

الحل هو في استخدام أسلوب آخر، وهو ظاهرة تبريد المجتمعات العربية، وذلك بالتركيز على قضايا ضرورية تساعدهم في حياتهم: الاقتصاد، والتعليم، والصحة، ورفع مستوى الدخل. وهذا ما نراه في دول الخليج التي ركَّزت على التحدي الأهم وهو بناء دول ثرية ومنافسة في عالم يتغير باستمرار، وأصبح مَن يعيشون فيها من كل الجنسيات والأعراق والأديان يشعرون بأنهم في المكان الصحيح لتحقيق طموحاتهم. وكل هذا يبدأ مع نشر الوعي العقلاني الواقعي الذي سيخفف الاحتقان، وسيضعف ظاهرة التسخين شيئاً فشيئاً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ظاهرة تسخين المجتمعات العربية ظاهرة تسخين المجتمعات العربية



GMT 08:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

الطبع فيه غالب

GMT 08:38 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مصر في مواجهة سيناريو «العبور بلا عودة»

GMT 08:30 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مَن يلقى سلاحه يُقتل

GMT 08:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيا والقبعات المتعددة

GMT 08:21 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

كارثة وفاة سباح الزهور

GMT 08:19 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

عبد الوهاب المسيرى.. بين عداء إسرائيل والإخلاص للوطن

GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt