توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البشرية ومآلات عقد اجتماعي جديد

  مصر اليوم -

البشرية ومآلات عقد اجتماعي جديد

بقلم:إميل أمين

برز في القرنين السابع عشر والثامن عشر كثيرٌ من منظري العقد الاجتماعي والحقوق الطبيعية، ولعلَّ أشهرهم توماس هوبز، وجون لوك، إضافة إلى جان جاك روسو، ثم إيمانويل كانط، وقد حاول كل منهم حل مسألة السلطة السياسية بشكل منفرد.

الفرضية الرئيسية التي تنادي بها نظرية «العقد الاجتماعي» هي أن القانون والنظام السياسي ليسا طبيعيين، بل هما من اختراع البشر. ولهذا يعمل العقد الاجتماعي، والنظام السياسي الذي ينشأ عنه، وسيلةً للوصول إلى غاية، وهي منفعة الأفراد الذين يشملهم العقد الاجتماعي، ويكون العقد الاجتماعي شرعياً فقط ما داموا يؤدون ما اتفقوا عليه.

هل تحتاج حاضرات أيامنا إلى عقد اجتماعي جديد، يواكب زمن الوحوش الذي تحدث عنه المفكر اليساري الإيطالي الشهير أنطونيو غرامشي (1891 - 1937)؟

هناك حالة من خيبة الأمل تلف عالمنا المعاصر؛ بسبب الانكسارات المتلاحقة التي مُنيت بها العقود الاجتماعية الوطنية، وترهل النظام الدولي، ما ينذر بانهيار مخيف للنظام العالمي المعاصر، الأمر الذي يستدعي تنادياً سريعاً لعقد اجتماعي عالمي جديد، هدفه التقدم الإنساني والوجداني، وركائزه الأمن والأمان، وإطاره رقي الأمم وتهذيب الشعوب، ومسيرته الواضحة جهة الشعور بالمصير المشترك.

لكن الواقع بعيد عن هذا التصور الذي سماه الفيلسوف الأخلاقي وعالم الاقتصاد الاسكوتلندي آدم سميث (1723 - 1790) «دوائر التعاطف البشري»، التي تنتج مجتمعاً تعاونياً وليس تناحرياً.

خلال السنوات الخمس الماضية، أظهرت النوازل الحاجة الفعلية الملحة لعقد اجتماعي بشري، وقد بدأت القلاقل من عند جائحة «كوفيد»، التي أظهرت هشاشة عالمنا، وكشفت عن مخاطر تجاهلنا لعقودٍ أنظمةً صحيةً غير كافية، وفجوات في الحماية الاجتماعية، وتفاوتات هيكلية في البنى المجتمعية.

لقد بات عالمنا المعاصر يئن تحت وقع ضربات عدم المساواة، والرضوخ لتهديدات مظالم تاريخية واتجاهات استعمارية سياسية، بعضها أفرزته السلطة الأبوية، والبعض الآخر ظهر نتيجة للفجوة الرقمية.

الحاجة إلى العقد الجديد تشتد، لا سيما في زمن وحوش غرامشي، حيث العالم يجابه تداعيات غير معروفة أو مألوفة، ولا حتى موصوفة في كتب الأقدمين.

خذ إليك العامل الإيكولوجي، حيث الكوكب الأزرق بات مهدداً بالفناء، بعد أن تجاوز الخطر حدود الاحتباس الحراري، إلى زمن الغليان، ما يجعل مستقبل الكرة الأرضية برمته ضمن حيز عدم اليقين لجهة الاستمرار لمائة عام أخرى.

ولعله من متناقضات القدر أن الدول القطبية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة، تعدّ الحديث عن التغيرات المناخية، أمراً من قبيل التهويل، وربما الخديعة الكبرى، بينما الصين تمضي في طريق الطاقة الكربونية، ولتذهب البشرية ما شاء لها أن تذهب.

وحوش غراشي التي تهدد النظام العالمي القديم، ومن غير أدنى مقدرة على إيجاد بديل جديد، يبرز من بينها التهديد الاقتصادي، حيث الجميع يتوقع انهيارات مالية كونية، وحالة من الكساد الأممي، تتجاوز ما جرى في ثلاثينات القرن الماضي، وللقارئ أن يتأمل مشهد الديون العالمية، والأميركية منها بنوع خاص.

في القلب من وحوش غرامشي التي تستدعي العقد الجديد، صحوة القوميات وارتفاع معدل نمو الشعبويات، وجميعها مرادف واحد وحيد لفكرة عزل الآخر وإقصائه، وأن موارد الخليقة لا تحتملنا معاً.

ولعل هناك علاقة وثيقة بين معدلات التنمية والرخاء، وبين حركة الأصوليات اليمينية الرافضة للهجرة والإنثقاف الأممي، ذلك أنه عندما يفتقر الناس إلى الأمن والفرص في أوطانهم ينغلقون على ذواتهم؛ خوفاً من المنافسة، وساعتها تصبح المجتمعات المنقسمة والقلقة أرضاً خصبة للشعبوية والقومية، عطفاً على تيارات الأنانية والفردية كافة.

وفي المقابل، حين تزدهر الأرض، ويكثر ثمرها، يصبح من اليسير على كل الأمم والشعوب والقبائل، أن تضحى كريمةً مع المحرومين، في الداخل والخارج على السواء.

هل هناك أسباب أخرى تعجل بالحاجة إلى عقد اجتماعي عصراني جديد؟

الذين استمعوا إلى خطاب الرئيس ترمب في لقاء الجنرالات الأخير بولاية فيرجينيا، وحديثه عن الميزانية التريليونية للقوات المسلحة الأميركية للعام الجديد، يخلصون إلى القطع بأن عالماً غير عقلاني من سباق التسلح تجري به المقادير، وبما يتجاوز زمن الحرب الباردة.

أما الخطير والمثير هذه المرة، فيتمثل في دخول أطراف جديدة مثل الصين، بسعيها لحيازة ترسانة نووية على الأرض، ناهيك عن تطلعها للشراكة في عسكرة الفضاء الخارجي للأرض مع روسيا والولايات المتحدة.

ولعل الركيزة التي تحتاج إلى حديث قائم بذاته، تلك الموصولة بعالم الذكاء الاصطناعي، وما سطره مؤسس ورئيس شركة «Open AI» سام ألتمان، عن الحاجة لعقد اجتماعي جديد، قبل أن تتغير أحوال الإنسانية وتتعدل أوضاع البشرية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البشرية ومآلات عقد اجتماعي جديد البشرية ومآلات عقد اجتماعي جديد



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt