توقيت القاهرة المحلي 14:58:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شاعر الأبقار

  مصر اليوم -

شاعر الأبقار

بقلم - سمير عطا الله

كان هذا الفتى الهائم ينام أحياناً في الحقول قبل أن يعود إلى منزل أهله متعباً منهكاً، ليس من البرودة التي أضنته تحت شجرة التفاح، حيث يستلقي ليكتب الشعر، أو هكذا خيّل إليه، حتى صار مقتنعاً أنه سوف يصبح ذات يوم شاعراً كبيراً بعيداً عن هذا البحر الداكن اللون، الذي لا تكف أسراب البط عن مداعبته طوال النهار وحتى إسدال الغروب.

كل هذه الرومانسيات لم تكن تعني شيئاً لأبيه الذي فقد عمله هو أيضاً، ولذا أرسله يعمل عند أحد الجزارين في المدينة الصغيرة. وسرعان ما اكتشف الجزار أنه كلما أقدم على ذبح بقرة، انزوى مساعده يكتب قصيدة رثائها. قصيدة في حزن الأبقار، وقصيدة في حب الفتيات. بين هذه وتلك، كان يغرق في القراءة، خصوصاً التاريخية منها. ولم يكن الفتى اليافع قد أطلق بعد لحيته الصغيرة، التي سوف تحمل صورته الوحيدة عبر القرون. وضحى كل يوم عطلة يشارك الشبان المراهقين في ساحة البلدة النكات المالحة وقراءة الشعر، والرقص والأفراح البسيطة. وإذ يكبر قليلاً يقرر الخروج من بلدته وعالمها الصغير إلى مدن وأحلامها الكبيرة. وهناك سوف يجرب نوعاً جديداً من الكتابة: الشعر المسرحي. وهنا يبدأ الغوص في معاني الحياة، ويكتشف خداع النساء، ويبدأ في هجائهنَّ. فما هي المرأة إلا «كاذبة»، و«مخادعة»، و«فظة»، و«محتقرة». و«سوداء كالجحيم»، و«كالحة مثل الليل». لا شك أن كل هذه التعابير كانت تدل على إخفاقه في الحب. ولم يكن يكتفي من إغراءاته، مثلما لا تكتفي النار من الحطب والبحر من الأنهار.

«الحبُّ خطيئتي» يقول في إحدى قصائده المليئة بالمرارة. وسوف يتخيل قصصاً مليئة بالعشق والعشاق، متمنياً كان هو وصلها. وفي موجة من الحنين اخترع أشهر عشاق التاريخ، أو بالأحرى، أشهر عاشقين، روميو وجولييت. وكالعادة اختار لهما جمال إيطاليا وروعة مدينة فيرونا، خشبة يفضلان على مسرحها الموت على التفكر للحب. لقد حوّل المسرح إلى مشغل خاص به، وراح يبتدع الأبطال والشخوص غاضبين وسعداء، خائبين ومجلين، وما شاكل ذلك من نماذج البشر التي مكّنته من وضع ثلاثين مسرحية، جعلته أهم الشعراء الإنجليز أمس واليوم وغداً.

الولد الذي كان ينام تحت شجرة التفاح في سترادفورد على نهر أفون، ويكتب القصائد في رثاء الأبقار، أصبح أحد أعظم شعراء العالم. سمّاه صديقه العبقري هو الآخر بن جونسون «طائر البجع الجميل». ولكن شاعر الجمال هو أيضاً شاعر القوسات: عطيل، ريتشارد الثالث، ماكبث، وسائر أسياد الرعد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شاعر الأبقار شاعر الأبقار



GMT 11:00 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

أداء المنتخب وراء «الفوز المهم»

GMT 11:00 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

عن الصور والمصورين.. والشخصيات العامة

GMT 10:58 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

درب السلام

GMT 10:56 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

لَا أَحسَبُ الشَّرَّ جَاراً!

GMT 10:56 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

من الوحدة الشاملة إلى براكين الدَّم والتَّشظّي

GMT 10:54 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

«داعش» وأعياد نهاية العام

GMT 10:53 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المعنى الغائب في أكثر صراعات العالم حضوراً

GMT 10:49 2025 السبت ,27 كانون الأول / ديسمبر

المسيحية الصهيونية... من الهرطقة إلى تبرير الإبادة

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 01:58 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الكهرباء

GMT 09:16 2022 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

سيارات هيونداي ترفع النقاب عن نسختها الجديدة سانتافي 2023

GMT 10:23 2021 الخميس ,17 حزيران / يونيو

Razer تعلن عن أحد أفضل الحواسب لمحبي الألعاب

GMT 09:26 2021 الأحد ,23 أيار / مايو

ترتيب الدوري المصري 2021 بعد نهاية الجولة 23

GMT 10:37 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

تعرف على من هو أحمد مناع أمين مجلس النواب 2021

GMT 07:00 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

4 أمور يُستحبّ فعلها قبل صلاة عيد الفطر المبارك

GMT 03:29 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

علاء مرسي يكشف عن ملامح دوره في مُسلسل "الضاهر"

GMT 02:31 2019 الإثنين ,18 آذار/ مارس

خاتم زواج الماس للمناسبات الخاصة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt