توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الغنى والطغيان

  مصر اليوم -

الغنى والطغيان

بقلم - د. محمود خليل

المتأمل لآيات الذكر الحكيم يلاحظ رحمة الله وعطفه على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل، والدعوة المتكررة لدعمهم والتصدق عليهم وإيوائهم، في الوقت الذي تجد فيه بعض الآيات التي تربط بين الغني وبعض الآفات الإنسانية، مثل الطغيان، والفسق، والفساد، والعلو في الأرض وغير ذلك.

يقول تعالى: «كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى»، فالاستغناء قد يؤدي إلى طغيان الإنسان، والاستغناء في الآية الكريمة يأتي بالمعنى العام، فهو يعني التمتع بالمال والثروة، ويعني الغنى بالأهل والعشيرة (العزوة)، ويعني الإحساس بالجاه والنفوذ والسيطرة، بعبارة أخرى يشمل معنى الاستغناء كافة المؤشرات التي تمنح صاحبها إحساسًا بالقوة والسطوة على الآخرين.

والمستغنون المترفون داخل أي مجتمع يمثلون عناصر تهديد له، وليس كل غني مترفًا، فهناك أغنياء يعرفون فضل الله عليهم، ويختلف هؤلاء عن «المترف» الذي يعتقد أن ما حازه من مال أو جاه أو نفوذ مرده علمه وشطارته، تمامًا مثلما ردد «قارون» حين طلب منه قومه ألا يغتر بما يملك، قال تعالى: «إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ».

لقد رد «قارون» على ناصحيه، كما يحكي القرآن الكريم في سورة «القصص»، قائلًا: «قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي».

فارق كبير بين من يعترف بفضل الله ويعلم أنّ الله هو المعطي الوهاب، وبين من ينسب لنفسه الفضل وينسى رب الخير والفضل.

من هذا المنظور يشكل المترفون داخل أي مجتمع عنصر تهديد له، كما ذكرت لك، وفي هذا السياق تستطيع أن تفهم قوله تعالى في سورة «الإسراء»: «وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا».

ويشير «الطبري»، في تفسيره للآية الكريمة، إلى أن الله إذا أراد بقوم صلاحًا، بعث عليهم مصلحًا، وإذا أراد بهم فسادًا، بعث عليهم مفسدًا، وإذا أراد أن يهلكهم، أكثر مترفيهم، ومعنى «أمرنا» أي أكثرنا، وفي ظني أن الكثرة قد تكون كثرة عددية بزيادة أعداد المترفين الفاسقين، وقد تكون بالبروز النوعي، أي تصدر المترفين للمشهد داخل المجتمع، فيتولون أمر إفساده وزعزعة أوضاعه.

فالمترفون بطبيعتهم يميلون إلى العلو في الأرض وما أكثر ما يفسدون وهم يسيرون في طريقهم نحو الصدارة، وقد ضرب الله تعالى مثلًا لنا على ذلك بـ«قارون» أيضًا، والذي اختتمت قصته بقوله تعالى: «تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ».

فالنهاية المؤلمة التي انتهى إليها «قارون» حين خسف الله به وبماله الأرض مثلت نتيجة طبيعية لتجبره وتكبره، فالعلو هو التكبر في الحق، حين تكون الحقيقة واضحة أمام الإنسان فينكرها ولا يقبلها، ويذيع الباطل بدلًا منها، أما الفساد فمعناه الأخذ بغير الحق، وهو يمثل قمة الفساد في الأرض.

والعاقبة دائمًا للمتقين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الغنى والطغيان الغنى والطغيان



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt