بقلم: د. محمود خليل
قد تتعجّب إذا قلت لك إن بعض ممارسات «التدين الرقمى» تستهدف فى الأساس تحقيق الأرباح المالية، من خلال زيادة معدلات المرور «الترافيك» على المنشور، ومعدلات التفاعل معه بالإعجاب، أو التعليق، أو المشاركة «الشير»، أو غير ذلك، فكلما زادت معدلات المرور والتفاعل وَفّر ذلك أرباحاً مالية تدفعها مواقع التواصل الاجتماعى لصاحب الحساب. وحسابات التدين الرقمى تخصّصات، فهناك حسابات متخصّصة فى نشر الأدعية، وأخرى متخصّصة فى نشر الآيات القرآنية، وثالثة فى الأحاديث النبوية، ورابعة فى الوعظ، وخامسة فى الفتاوى وغير ذلك.
وتستخدم الحسابات الكثير من الحيل لدفع الأفراد إلى التفاعل مع محتوى التديّن الرقمى، فتجد فى بعض الأحيان منشورات تستفز المشاعر الدينية للصلاة على النبى، مثل: «عااااجل: بعد فرز الأصوات تبين أن من فاز فى الدنيا والآخرة هو من صلى على محمد وآل محمد»، و«إن شاء الله اليد اللى هتصلى على النبى تُرزق بفرحة تدمع لها العين»، أو منشورات تضغط على المشاعر الإنسانية الطبيعية، مثل الخوف من المرض، أو الموت لدفع المستخدم إلى الحمد، مثل: «المستشفيات مليئة بالمرضى وأنت لست منهم.. والمقابر مليئة بالموتى وأنت لست منهم.. فكن من الحامدين»، أو تُلح على المشاعر الأسرية، مثل الدعاء: «اللهم بيّض وجه أبى وأمى يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، وارحمهما كما ربيانى صغيراً»، بالإضافة إلى الدعاء للأبناء وغير ذلك.
وتستخدم الحسابات القرآنية جوانب استثارة أخرى وهى تعرض آيات الذكر الحكيم، مثل الإغراء بالرزق الوفير، مثل: «سورة الواقعة تمنع الفقر وتجلب الرزق بإذن الله»، رغم أن العلماء يصنّفون حديث النبى: «من قرأ سورة الواقعة فى كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً» فى فئة الأحاديث الضعيفة، واختلفوا أيضاً حول صحته، يضاف إلى ذلك اختبار حفظ بعض الآيات القرآنية الكريمة، من خلال تسميع الآية ومراجعتها على النص، أو حذف كلمة منها وطلب تحديدها فى التعليقات من جانب المستخدمين، أما الأحاديث النبوية ففى بعض الأحوال تلجأ الحسابات إلى توظيف أحاديث ضعيفة أو مختلقة، ولا يكون لها من هدف سوى دفع المستخدم إلى التفاعل، مثل الحديث القدسى الذى يقول: «يا جبريل إنى أحب أن أسمع من عبادى كلمة يا رب»، وهو حديث موضوع كما يشير العلماء، وقد نشرته إحدى الصفحات مع طلب كتابة كلمة «يا رب» فى التعليقات «لمن أراد رضا الله حباً وطاعة لله بنية فرج الله».. ألا يكفى أن يقولها المستخدم فى سره؟!
أغلب هذه الحسابات لا تركز إلا على التسابيح، والأدعية، وترديد الآيات القرآنية الكريمة، ولا تتردّد فى توظيف بعض الأحاديث الموضوعة، والهدف فى كل الأحوال هو دفع المستخدم إلى التفاعل مع المنشور، وجلب الإعجاب أو المشاركات والتعليقات، ويندر أن تجد أياً من صفحات أو حسابات التدين الرقمى تدعو الأفراد إلى مراجعة سلوكياتهم على أخلاقيات وقيم الإسلام، مثل سلوكيات الفرد مع والديه، أو أبنائه، أو مع الزوج أو الزوجة، أو ذوى القربى، أو الجيران، أو الأصدقاء، أو الآخر الدينى، أو تدعوهم إلى الإصلاح بمعناه الشامل: إصلاح النفس، وإصلاح الواقع، وإصلاح ذات البين، أو تحثهم على العطاء والإنفاق والتكافل وغير ذلك من قيم يحض عليها الإسلام، أو تحذّرهم من الوقوع فى بعض الآفات الأخلاقية التى ينهى عنها الدين، مثل الكذب، وقول الزور، وكتمان الشهادة، والنفاق وغير ذلك.. ويبدو أن المرتكزات الحقيقية للإسلام لن تؤدى -من وجهة نظر أصحاب الحسابات- إلى تفاعل كبير مع المحتوى يُحقّق ما يحلمون به من أرباح.