توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تعزيز الدبلوماسية العامة في عالمنا اليوم

  مصر اليوم -

تعزيز الدبلوماسية العامة في عالمنا اليوم

بقلم :ناصيف حتّي*

يصف كثيرون اليوم العالم بأنه صار بمثابة قرية كونية بسبب ثورة الاتصالات والمواصلات التي أسقطت حواجز المسافات، وسرعت التفاعلَ مختلف الأوجه بين مختلف الجماعات والشعوب.

تفاعل يعكس ويساهم في تكثيف علاقات الترابط والاعتماد المتبادل، وكذلك التأثر والتأثير المتبادل بين مختلف شعوب ومجتمعات العالم. لكن يفضل البعض وصف الوضع الجديد بالمدينة الكونية بسبب غياب التناغم والانسجام القيمي النسبي الذي يطبع عادة حياة القرية وسكونها مقارنة بحياة الصخب والاختلاف الأكبر في منظومة القيم، الذي لا يعني بالضرورة الخلاف الذي يطبع حياة المدينة.

الثورة التي أشرنا إليها، رغم إيجابياتها الكبيرة، تحمل أيضاً احتمالات زيادة الصدام بسبب التفاعلات مختلفة الأوجه، التي تحملها عند أصحاب الهويات السياسية والعقائدية المتشددة والقائمة على فكر منغلق أصولي كلي يؤمن بالتفوق على الآخر المختلف أيا كان وجه الاختلاف مع ذلك الآخر وعنه.

ونرى ذلك حالياً في أوروبا، مع صعود أحزاب اليمين المتطرف، ولو أن ذلك منتشر في العالم بأشكال وهويات مختلفة. يوثر ذلك من دون شك على العلاقات بين الدول، ويؤدي إلى خلق توترات في تلك العلاقات، ويخلق حواجزَ وهمية قائمة على الجهل والخوف والتخويف من الآخر أمام تطور تلك العلاقات.

وغني عن القول إنه يجب التمييز بين الخلافات التي هي سمة طبيعية في العلاقات بين الدول، وإن هنالك عناصرَ عديدة يمكن توظيفها لتسوية هذه الخلافات لمصلحة الأطراف المعنية، وتلك الخلافات التي تقيم أو تقوم على حواجز لا يمكن إسقاطها طالما عبرت عن هذه الأصوليات مختلفة العناوين، التي تقوم على الانغلاق والخوف والتخويف، بدل الانفتاح القائم على التعاون ولو التدريجي. أمام ذلك كله تبرز أهمية الدبلوماسية العامة (public diplomacy) التي لا تشكل بالطبع بديلاً عن الدبلوماسية الرسمية التي تنظم علاقات الدول بعضها مع بعض. هذه الدبلوماسية تلعب دوراً أكثر من مهم وضروري في دعم الدبلوماسية الرسمية التي تبقى لها قيودها، مهما اختلفت الحالة بين دولة وأخرى، وطبيعة مهامها التي لا يمكن أن تشكل بديلاً عن الدبلوماسية العامة، خاصة في القرية أو المدينة الكونية التي نعيش فيها. الدبلوماسية العامة تلعب أدواراً مختلفة، ولكنها متكاملة في دعم الدبلوماسية الرسمية. من هذه الأدوار أو الوظائف ما يمكن وصفه بالنشاط الاستباقي لجس النبض في مجال معين بالعلاقات بين دولتين أو حتى منظمتين إقليميتين، من خلال استكشاف مجالات التعاون ذات المصلحة المشتركة عند الطرفين، وإلقاء الضوء على هذا الأمر، لتمضي لاحقاً الأطراف الرسمية المعنية في ولوج باب ذلك التعاون أو تعزيزه إذا ما كان قائماً.

الدبلوماسية العامة تقوم على استكشاف مجالات جديدة أو تطوير مجالات قائمة للتعاون وإعطائها زخماً جديداً أو أبعاداً أخرى. قد يكون هنالك تنسيق مسبق بين الرسمي وغير الرسمي يقوم الأخير فيه بما يُسمى جس النبض دون إلزام الطرفِ الرسمي الذي يمثله أوجهَ التعاون الممكنة أو تقوية هذه الأوجه. الدبلوماسية العامة قد تكون اقتصادية أو ثقافية أو سياسية أو إعلامية أو غيرها. قدرة الحركة في الدبلوماسية العامة كبيرة لأنها متحررة من القيود الرسمية؛ فمن يقوم بها عادة أطراف (أشخاص أو منظمات وهيئات غير حكومية) غير مقيدة في خطابها، أياً كانت درجات التقيد الذاتي، وأنها بشكل مباشر أو حتى غير مباشر تخدم أهداف الدولة أو الدول المعنية.

قد يكون هنالك تنسيق مسبق أو قد لا يكون هنالك هذا النوع من التنسيق بين الرسمي وغير الرسمي، ولكنه يخدم في النهاية العلاقات بين الدول المعنية؛ إذ قد يعزز من جهة مجالات قائمة في التعاون، أياً كانت طبيعته، وقد يطلق، من جهة أخرى، مسارات للتعاون لم تكن قائمة من قبل.

بين المبادرات الاستباقية لاكتشاف مجالات جديدة للتعاون أو المبادرات اللاحقة، لتعزيز أطر تعاون قائمة وتعميقها، يبقى التفاعل الغني للطرفين بين المسارين الدبلوماسيين الرسمي والعام أكثر من ضروري. سواء حصل ذلك في عملية التعرف بشكل أفضل على الآخر مجتمعاً وطنياً أو إقليمياً أو طرفاً رسمياً: دولة أو منظمة إقليمية. الدبلوماسية العامة كمسار متعدد الأوجه والإبعاد والأطراف المشاركة فيه يعمل في حقيقة الأمر كطرف يقيم جسور التواصل والتفاعل، وفي تسوية مسبقة لخلافات قد تقف كعائق أمام التعاون الرسمي لاحقاً أو قد تعرقل من تعاون قائم.

تعزيز الدبلوماسية العامة بأشكالها المختلفة في عالمنا اليوم، عالم تشابك وتداخل وتكامل المصالح، أمر أكثر من ضروري.

الدبلوماسية العامة تشكل أحد أهم عناصر القوة الناعمة للدولة المعنية، خاصة إذا ما أحسن الاستفادة منها وتعزيزها لمصلحة معرفة الآخر وبناء جسور الحوار والتعاون لمصلحة الأمن والسلم والازدهار.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تعزيز الدبلوماسية العامة في عالمنا اليوم تعزيز الدبلوماسية العامة في عالمنا اليوم



GMT 20:35 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

48 ساعة كرة قدم فى القاهرة

GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt