توقيت القاهرة المحلي 17:38:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل نحن جاهزون لتقبّل تاريخنا البديل؟

  مصر اليوم -

هل نحن جاهزون لتقبّل تاريخنا البديل

بقلم : إياد أبو شقرا

كلّما أحببتُ أن أحن إلى الماضي أصغي إلى تسجيل لقصيدة لميعة عباس عمارة، الشاعرة العراقية الفذة الراحلة، عن بيروت... حيث عاشت ردحاً من الزمن، فأحبتها وبادلتها بيروت الحب وأكثر.

يقول مطلع القصيدة البديع:

نبّهتُ عينيَ مِن شكٍ لأسألَها

بيروتْ هلْ فارقتني كي أعودَ لهَا؟

من أينَ أبدأ؟ أكداسٌ على شفتي

فوضىَ تزاحمها... يثني تسلسلَها

تلك «البيروت» التي أحبتها لميعة وشغفت بها قبل عقود، لا يتذكّرها جيلان كاملان من اللبنانيين، أفلتا جسدياً من غول الحرب الذي قضى على عشرات الألوف... لكنهما شوّها ثقافياً ونفسياً حتى اليوم.

الذاكرة، كما الحقيقة والأبرياء، كانت من أبرز ضحايا تلك الحرب. واليوم، تنزوي الحقيقة خجولة عندما يشتكّي اللبنانيون من مختلف الفئات والمشارب، ويتبادلون الشكوك والتهم والهواجس، ويريحون أنفسهم من الضيق برميهم كل الموبقات على ساسة الماضي.

لا شك أنَّ على الساسة جزءاً كبيراً من المسؤولية في الكوارث التي حلت بلبنان منذ عام 1975. لكنّ هؤلاء بطريقة أو بأخرى، كانوا أيضاً ضحايا - أو قُل إفرازات - لثقافة أنتجتها صفقات أكبر منهم ومن بلدهم الصغير في منطقة كانت ولا تزال من أكثر مناطق العالم اضطراباً.

في لبنان، حتى عند صياغة التعابير في لغة التداول اليومية، تظهر بوضوح تناقضات الهوية والولاء. وحتى معايير مثل الوطنية والتطرف والتوافق والسيادة والعيش المشترك... تظل معايير استنسابية لكل بيئة، تبعاً لما نشأ عليه أبناؤها وبناتها.

أزعم أنَّ هذه الحالة لا تقتصر إطلاقاً على لبنان، وإن كانت تجلّت بوضوح أكثر فيه كونه لم يعرف «الحكم الشمولي»، الذي عرفته وقاست منه عبر السنين أقطار شقيقة جارة، اعتادت «كتم» تنوّعها و«كبت» خلافاتها بالحديد والنار... وأقبية الاستخبارات المظلمة!

وهنا أذكر أنه عندما انتقد الرئيس السوري السابق بشار الأسد، ذات يوم، «طائفية» المجتمع اللبناني، صفّق له الأغبياء بينما بُهت لكلامه العقلاء الذين كانوا يدركون أي انفجار بركاني ينتظره.

فطائفية اللبنانيين كانت «مكشوفة» لأنَّهم أفرطوا في ممارسة الحرية... ليصلوا بها إلى الفوضى، بينما كانت تُحصى على الملايين من إخوتهم العرب، وبالذات، في سوريا أنفاسهم... فباتوا يشكّون بأقرب أقربائهم.

هذا في الماضي، الذي لا بد من تذكّره إذا كان لنا ألا نكرّره. ونظرياً هذا كلام صحيح، إلا أن ما يحمله لنا الحاضر والمستقبل ليس محسوماً...

دولنا العربية، بغالبيتها العظمى، دول شابة. شعوبها جديدة على تنظيم الاختلاف، وإدارة التعدد، والممارسة الديمقراطية المسؤولة الناضجة. بيد أنّنا إذا تمعّنا فيما فعلته ثورة «وسائل التواصل الاجتماعي»، وما يخبئه تحدي «الذكاء الاصطناعي»، فقد نكتشف أنَّ الدول المتقدمة، ذات الديمقراطيات الراسخة، ليست بالضرورة أفضل حالاً منا بكثير. قوانين اللعبة كلها تغيّرت.

ولسنا وحدنا نعاني يومياً من هجمات «الذباب الإلكتروني» المشبوه، الذي يزوّر الحقائق ويقلب المفاهيم ويصبّ الزيت على نار التعصب والعنصرية وينسف التفاعل الجدّي بين مكونات المجتمع، عبر حسابات مموّهة وأبواق وأدوات استخباراتية خطرة.

في أميركا وبريطانيا وهولندا وألمانيا، وغيرها، تأكد خلال العقد المنقضي خطر دور «وسائل التواصل» في الكذب والتزوير والافتراء والتحريض والاغتيال المعنوي، الذي ساعد على تعزيز مواقع الأحزاب المتطرفة والعنصرية.

وفي لبنان وسوريا والعراق، وعدد من الدول العربية، تحوّلت «وسائل التواصل الاجتماعي» المتفلتة، في غياب تشريعات رادعة، فعلياً إلى أدوات فتنة وحروب أهلية.

مع هذا، يبدو أننا ما زلنا في بداية الطريق!... لأنَّ الآتي، مع «الذكاء الاصطناعي»، أدهى وأفظع... ليس لجهة السيطرة على الحاضر والتحكم بالمستقبل فحسب، بل أيضاً في إعادة كتابة الماضي!

في عدد يوم 28 يناير (كانون الثاني) 2024 نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» تحقيقاً تحت عنوانٍ لافت جداً هو «الذكاء الاصطناعي يستهدف الآن الماضي أيضاً!».

ونقل موقع «ذا هيل» الأميركي عن مؤسسة «ذي أميركان إيدج بروجكت»، يوم 12 مارس (آذار) الماضي، تقريراً عن احتمال تمكّن الصين من إعادة كتابة التاريخ عن طريق «الذكاء الاصطناعي» من أجل السيطرة على العالم. وكتب عضوا الكونغرس الأميركي السابقان لوريتا سانشيز وغريغ والدن في مقدمة هذا التقرير: «تخيلوا أن تستيقظوا ذات يوم لكي تجدوا أن فصولاً كاملة من التاريخ قد اختفت بصمت، وأنَّ الحقائق عن أحداث كبرى لم يعد لها أثر مدوّن».

وتابعا: «من حسن طالعنا نحن الذين نعيش في الولايات المتحدة أنَّ أمراً مثل هذا يُعد حالة كابوسية كارثية، ولكن بالنسبة لمئات الملايين الذين تحت حكم الأنظمة التسلطية، فإنَّه حقيقة يومية واقعة».

وهنا ينقل الكاتبان عن مضمون دراسة المؤسسة أنَّها تزعم عمل الصين راهناً على تجنيد الذكاء الاصطناعي لإعادة كتابة التاريخ، بما في ذلك محو انتهاكات حقوق الإنسان، وتصفية أي انتقادات لممارسات الحزب الشيوعي الصيني.

من جهة ثانية، يشير تقرير آخر، أسترالي هذه المرة، يعود إلى 10 أبريل (نيسان) الماضي إلى أنَّ صوراً لـ«فيسبوك/إيه إيه بي» طوّرت بالذكاء الاصطناعي قادرة على خلط الواقع بالخيال. وبالتالي، إعادة كتابة التاريخ والتلاعب بصور أحداثه، من «المحرقة النازية» مروراً بـ«هجمات 11 سبتمبر»، ووصولاً إلى أحداث غزة وأوكرانيا!

هل نتصوّر الوضع عندنا في المشرق العربي... هل نتصوّر مدى قدرة - بل، ورغبة وجهوزية - دولة تتمتّع بتقدم تكنولوجي وسيبراني جبّار، مثل إسرائيل، على «إعادة» كتابة تاريخنا، على هواها... كما تفعل الآن، لا سيما أنَّها تعرف عنّا أضعافاً مضاعفة لما نعرفه عن أنفسنا وعنها؟

ألسنا نحن، الذين نجهل الكثير عن أنفسنا، دعك عن إخوتنا وشركائنا في أوطاننا... لقمة سائغة تُمضَغ وترمىَ حتى من دون أن نشعر؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل نحن جاهزون لتقبّل تاريخنا البديل هل نحن جاهزون لتقبّل تاريخنا البديل



GMT 10:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل سوريا بين إسرائيل… وأميركا وتركيا

GMT 10:22 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيز إسرائيل على طبطبائي… لم يكن صدفة

GMT 10:20 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

خطورة ترامب على أوروبا

GMT 10:15 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

المفاوض الصلب

GMT 10:12 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مشكلتنا مع «الإخوان» أكبر من مشكلات الغربيين!

GMT 10:07 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

إعلان الصُّخير... مِن «دار سَمْحين الوِجِيه الكِرامِ»

GMT 10:04 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

اصنعوا المال لا الحرب

GMT 09:57 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

توسعة الميكانيزم... هل تجنّب لبنان التصعيد؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt