بقلم : إميل أمين
تبدو القارة الأوروبية على عتبات العام الجديد، في مواجهة تحديات مثيرة للغاية، من داخلها ومن خارجها دفعةً واحدة، لا سيما في ظل استمرار الحرب الأوكرانية، وعدم اليقين من إمكانية التهدئة وصولاً إلى وقف إطلاق النار، هذا إن لم يتدهور المشهد لما هو أسوأ، على الرغم من الرطانة اللغوية الخاصة بمقدّرات الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب وقدرته على وقف هذه المعركة العبثيّة في عامها الثالث، ومن غير أدنى مقدرة لأيّ جانب على حسم المعركة.
تبدو أوروبا على عتبات العام الجديد، وكأنها بين المطرقة والسندان، المطرقة الروسية التي تهدد بغزو المزيد من دول أوروبا الشرقية وصولاً إلى برلين مرةً جديدة، وسندان ترامب الذي رفع رهاناته تجاه النسبة المئوية التي يتوجب على دول أوروبا دفعها للناتو، تلك التي ارتفعت من معدل 2% في ولايته الأولى إلى 5% كما نادى بذلك قبل بضعة أيام.
تبدو أوروبا مأزومة في ظل الشعبوية اليمينية المتشدّدة إلى حد التطرّف، والتي تملأ مربّعات نفوذ في عددٍ من حكومات قارّة التنوير، تلك التي لفظت الفاشية والنازية غداة الانتصار في الحرب العالمية الثانية.
آخر إرهاصات هذه الأزمة تجلت في فوز اليمين النمساوي، بعد خمس سنوات من هزيمته، فقد عاد وانتصر بقوة في الانتخابات التشريعية، حيث حصل حزب الحرية بزعامة هربرت كيكل على قرابة 30% من أصوات الناخبين.
نهار السادس من يناير/ كانون الثاني الجاري، كلف الرئيس النمساوي ألكسندر فان دير بيلن، كيكل بتشكيل حكومة للبلاد بشكل رسمي، وعليه فمن المنتظر أن يبدأ كيكل مشاورات مع حزب الشعب النمساوي المحافظ لتشكيل ائتلاف حاكم، وبذلك يمكن لحزب الحرّيّة اليميني الشعبويّ أن يفوز لأول مرة بمنصب المستشار.
لا يبدو اسم كيكل مبشرًا بديمقراطية أوروبية غنّاء في الداخل النمساويّ، ذلك أنّ حزبه وعلى حدّ تعبير الباحثة النمساوية تيريز فريساشر، لا يملك سوى الفوضى ليساهم بها في الداخل النمساوي، عطفًا على قصص الفساد التي يصدح بها كلما اقترب من السلطة أو وصل إليها.
وعلى الرغم من أن حزب الحرية النمساوي تعرض لنكسة في العام 2019 بسبب فضيحة عُرفت باسم "إيبيزاغيت" تتعلق بعلاقات مع روسيا، إلا أنه استعاد عافيته بدفع من هربرت كيكل الذي ركب موجة الخوف الاجتماعي والاقتصادي التي تعمّ القارة الأوروبية.
تعرّض كيكل لانتقادات عديدة وكبيرة من العديد من قوى المجتع النمساوي، ربّما لقربه من الجماعات اليمينية ذات النزعات الشوفينية، وقد عُرف عنه دعمه لمشروع نزع الجنسية عن النمساويين من أصول أجنبيّة، وعُرف عنه أيضا رغبته في أن يطلق عليه لقلب "فلولكيكانسلر" أي مستشار الشعب على غرار أدولف هتلر.