توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التدين المغشوش

  مصر اليوم -

التدين المغشوش

بقلم: د. محمود خليل

هناك ثقافة ذات جوهر محدّد أصبحت تحكم -منذ زمان بعيد- تصرفات المصريين. ويتحدّد هذا الجوهر فى «التدين المغشوش». عبر عقود عديدة كان ينظر إلى الشعب المصرى -شأنه فى ذلك شأن شعوب عربية وإسلامية عديدة- كشعب تحكمه «ذهنية التحريم». ففى سياق أى خطوة يخطوها أو تصرّف يأتيه أو سلوك يسلكه كان يسأل باستمرار: هل الخطوة أو التصرّف أو السلوك حلال أم حرام؟. ولا نستطيع بحال أن ننفى أن هذه الذهنية لم تزل متحكمة فى العقل المصرى، وتستطيع أن تجد مؤشرات عديدة دالة عليها فى الأسئلة التافهة التى يميل البعض إلى طرحها على برامج الفتوى التى تعج بها القنوات الفضائية ومحطات الإذاعة حول الحلال والحرام فى الأفعال والسلوكيات، مثل الأسئلة المتعلقة بالوشم ورسم «التاتو»، والسيدة التى تسأل عن قط تملكه يريد الزواج ولا تملك المال الذى يمكنها من شراء قطة لتفى بحاجة قطها، وغير ذلك من أسئلة عجيبة يظن من لا يعرف المصريين وهو يسمعها أنهم شعب حريص على الحلال والحرام فى كل أفعاله وتصرفاته، وأنهم عظيمو التدين!.

لو أنّك تأملت الحريق الذى شب فى إيتاى البارود بمحافظة البحيرة يوم الأربعاء الماضى، فسوف تجد أشباحاً ذهنية أخرى تتراقص أمامك -غير ذهنية التحريم- إنها الذهنية النقيضة التى يمكن أن نطلق عليها «ذهنية التحليل». استحل بعضهم كسر خط المنتجات البترولية وتركيب «كلبس» مكان الكسر، ليحصلوا على البنزين حين يريدون، وظلوا يشفطون ما يحتاجون منه على مدار أيام، وفى آخرها لم يُحسنوا إغلاق الكلبس، فتسرّب البنزين إلى الترعة المجاورة. استيقظ الأهالى صباح اليوم التالى على رائحة البنزين الذى غمر الترعة، فتسابقوا إلى تعبئته فى جراكن، ثم حدث أن ألقى أحدهم عقب سيجارة فشب حريق هائل سقط فيه قتلى ومصابون. استحل بعض الأهالى سرقة البنزين كما يستحل البعض سرقة الكهرباء، وسرقة المياه، والإفلات من دفع الضرائب وغير ذلك من سلوكيات يسلكها المواطن من منطلق «ذهنية التحليل» عندما يتعلق الأمر بـ«مال الحكومة». فهو يتعامل معه كما كان يتعامل قديماً مع «أموال الخواجات» المحتلين ممن كان يستحل سرقتهم، وكأن الله جل وعلا حكر على المصريين، وليس رب غيرهم كما أنه ربهم!.

ذهنية التحليل أصيلة فى تفكير المصريين، ومبررات المواطن وهو يقع فى محاذيرها ومحظورها عديدة. البعض يرى أن الحكومة تسرقه وهى تحدد له أسعار الخدمات، والبعض يرى أن بعض من يعملون فى الحكومة يسرقون، فلا بأس من أن يسرق مثلهم، وآخرون يبررون بعدم امتلاك ما يدفعون فى مقابل الحصول على ما يريدون. كل هذه المبررات واهية وتتناقض مع ما هو معلوم بالضرورة من آيات قرآنية تنص على «وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى».. «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ» و«تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ». ذهنية التحليل أكثر كشفاً لطريقة تفكير بعض المصريين من ذهنية التحريم، وهى أقدر على فضح نمط التدين السائد لدينا، والذى يمكن وصفه بـ«التدين المغشوش»!. نسأل الله الرحمة والمغفرة لمن قضى فى حريق «إيتاى البارود» والشفاء لمن أصيب فيه.

وقد يهمك أيضًا:

عاصفة إرهابية فى أفق الأدهمية

«أداهم» المسلك اللطيف

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التدين المغشوش التدين المغشوش



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon