توقيت القاهرة المحلي 19:37:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سيف الجلاد

  مصر اليوم -

سيف الجلاد

بقلم - د. محمود خليل

الاغتيال المعنوى وتشويه صورة «أحمد عرابى» مثّل وسيلة ضمن عدة وسائل اعتمد عليها المحتل الإنجليزى فى تخريب الوجدان العام بعد سيطرته على البلاد عام 1882. فقد سعى إلى جوار ذلك نحو إغراق الشعب فى حالة «جلد للذات» أفقدت الشعب ثقته فى القدرة على التخلص من الإنجليز، إلا حين يطلع للرجل من هؤلاء شعر فى بطن يده، كما كان يُردّد الشيخ، وهو يحدّث السيد أحمد عبدالجواد فى رواية «بين القصرين».

اجتهد المحتل فى تهيئة المصريين لذلك عبر بث أفكار كاذبة ومكذوبة عن التخلف الذى يعيشه الشعب المصرى، وإحساسه التاريخى بالعجز أمام من حكمه منذ عصر الفراعنة وحتى عصر المماليك، ونظرته القدرية إلى كل شىء فى الحياة، مما يشجّعه على الاستسلام ويصرفه عن الأخذ بالأسباب، وأن على هذا الشعب أن يشكر المولى كثيراً للدور الذى يلعبه رُسل الحضارة من الإنجليز فى تطوير البلاد والعباد. لم يكن الإنجليز يكتفون بترديد هذه المقولات وغيرها بألسنتهم، بل كانوا يتعمّدون حشو عقول أو جيوب مصريين بها، ويدفعونهم دفعاً، نتيجة التأثر الثقافى أو تأثير المصالح، إلى ترديدها على آذان المصريين، فى مواجهة محاولات بعض الرموز الوطنية -مثل مصطفى كامل ومحمد فريد وغيرهما- لإيقاظ الشعور الوطنى بالذات المصرية، وظنى أن هذين الزعيمين وغيرهما أهملوا دحض الافتراءات التى يزعمها مصريون أمثالهم حول جهل الشعب وعدم قدرته على أن يحكم نفسه بنفسه، وأن نظرته القدرية إلى الحياة المتولدة عن الدين تجعله بحاجة إلى من يسوقه باستمرار.

شاعت هذه الضلالات بين قطاع من المصريين، وتولدت عنها أحاسيس أدت إلى دفع الكثيرين إلى الاستغراق فى جلد الذات، ووجدوا فى ذلك مهرباً جيداً من فكرة العجز عن مواجهة المحتل وإخراجه من البلاد، وحاول هذا القطاع بكل طاقته تثبيط قطاع آخر، لم يكن يبتلع الضلالات التى يشيعها المحتل، ويتّجه إلى الثورة والمقاومة، وأحياناً ما كان يُفلح فى ذلك، وأحياناً ما كان يُخفق.

مسألة جلد الذات لم تفرّق بين مصرى متعلم وآخر غير متعلم. فالمتعلمون تماهوا مع الإنجليز، وأعجبتهم ثقافتهم وطريقتهم فى الحياة، وباتت مصالحهم مرتبطة بمصالح الأجنبى المحتل، ولكى يبرّروا تعاونهم -أو تواطئهم- اتجهوا إلى اتهام الشعب بكل نقيصة، وأظهروا قدراً كبيراً من التعالى -إن لم يكن الاحتقار أو الازدراء- على الشعب، الذى كان يوصف من وجهة نظرهم بـ«الفلاحين» المستكينين فى الظاهر، الخبثاء فى الباطن، الذين لا يشغلهم فى الحياة سوى الأكل والتكاثر.أما غير المتعلمين فقد اتجهوا كما تعوّدوا إلى إنتاج الأمثال الشعبية التى يحمل محتواها جلداً عنيفاً للذات. وظنى أن الكثير من الأمثال التى تقوم على التهوين من شأن الذات فى قاموس الحياة الشعبية المصرية، مردّها العقود السبعة التى عشناها فى ظل الاحتلال الانجليزى.

من ذلك على سبيل المثال: المثل الذى يقول «إحنا شعب زمارة تلمه وعصاية تجريه»، وشقيقه الذى يقول: «لو دخلت بلد بتعبد العجل حش وارميله»، والثالث الذى يقول: «إن جاك الغصب خده بالرضا»، والرابع الذى يقول: «مين خاف سلم».. هذه الأمثال وغيرها حملت نوعاً من جلد الذات واتهامها، بالعبثية، والجبن، والتكالب على الحياة، والاستسلام، وغير ذلك من أمور، وأسهمت هى وغيرها فى تخريب الوجدان العام، ومؤكد أن المحتل الإنجليزى كان يسعد بها كل السعادة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سيف الجلاد سيف الجلاد



GMT 18:20 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

ذبح محمد صلاح!!

GMT 18:19 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

«دافوس» فى الرياض (١)

GMT 09:27 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 09:25 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 09:23 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

دومينو نعمت شفيق
  مصر اليوم - أحمد حلمي يكشف أسباب استمرار نجوميته عبر السنوات

GMT 16:13 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 08:41 2020 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الخميس 22 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 19:37 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

سفيتولينا تودع بطولة فرنسا المفتوحة للتنس أمام بودوروسكا

GMT 12:53 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

علماء يكتشفون79 مضادا حيويا جديدا في براز الإنسان يطيل العمر

GMT 01:31 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

رانيا يوسف ترقص أمام مدرسة ابنتها احتفالا بتخرجها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon