توقيت القاهرة المحلي 01:22:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«التطلع» الذى لا يبلى

  مصر اليوم -

«التطلع» الذى لا يبلى

بقلم: د. محمود خليل

الطموح شىء والتطلع شىء آخر. الطموح يعنى السعى نحو الحصول على الأهداف بالثمن المطلوب من الجهد والاجتهاد، وهو فى كل الأحوال جدير بالإعجاب والتشجيع والتحفيز، وترسخه داخل مجتمع معين يعنى نجاحه وتقدمه إلى مواقع الريادة على مستوى العالم. أما التطلع فداء قد يضرب أصحاب النفوذ أو أصحاب المال أو الأفراد العاديين. ولم يهلك مجتمعنا داء مثلما أهلكه التطلع. فالكل يريد والكل يرغب، ولا أحد يكتفى، والجميع يرفع شعار «هل من مزيد؟»، ويكرر المثل الشعبى السائر «البحر يحب الزيادة». التطلع هو المدخل الطبيعى للفساد والإفساد. بعض الأسماء اللامعة فى مجتمعنا لم تُقدم نظرية فى حل مشكلاتنا، أو اختراعاً يحقق الملايين أو المليارات، أو رؤية إصلاحية تنقل المجتمع من حال إلى حال. فكل قدراتهم تتلخص فى الشطارة والقدرة على الحصول على المال بالفهلوة، والاحتكار، واستغلال النفوذ، والضحك على ذقون البشر، بالإضافة إلى أساليب أخرى.

أما الاجتهاد الحقيقى، والمكسب الطبيعى الناتج عنه، والاهتمام بالمصلحة الفردية بالتوازى مع المصلحة الجماعية، فهذه المعانى تكاد تختفى من قاموسنا. يستوى فى ذلك رجل الأعمال الذى جنى المليارات، دون اجتهاد حقيقى، والشاب الصغير الذى تخرج فى الجامعة ويحلم بأن يحصل على السيارة الفارهة، والفيلا المبهرة، والمرأة الرائعة، واللبس على أحدث صيحات الموضة، وهو لا يريد أن يبذل جهداً أو وقتاً، بل يرغب فى تحقيق ذلك بمنتهى السرعة عبر آليات الفهلوة والشطارة «والحداقة».

لذلك فقد تحوَّلنا إلى مجتمع يمكن أن تصل فيه إلى المال بلا عمل أو اجتهاد، وأن تمتلك سلطة بلا قوة أو قدرة على التغيير، وشهادة بلا علم، وعلم بلا عمل، وعمل بلا نتيجة. وسيطر التعب والإرهاق والإحباط والزهق على الناس كافة. ولم يعد أمام الجميع سوى التخلص من تلك اللعنة، لعنة «التطلُّع»، والفهم العميق لمعنى وجود الإنسان فى الحياة، وهو المعنى الذى لخصه القرآن الكريم فى مفهوم السعى «وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى». لا بد أن يفرز هذا المجتمع رجال اقتصاد يحصلون على المال بأعمال حقيقية، ورجال دولة يفهمون أن العمل السياسى هو سعى نحو التغيير والإصلاح، ومثقفين قادرين على مواجهة الناس بالحقيقة، وشعباً يفهم قيمة العمل والاجتهاد، وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

مجتمعنا يحتاج إلى فكر جديد يؤسس لثقافة جديدة تستجيب لجملة المشكلات التى نواجهها، نحتاج إلى الخروج من شرنقة الأفكار النمطية والمكررة، ثقافة تأخذ أفضل ما فى الماضى وتطوره، وأفضل ما فى العالم المعاصر وتمصره. ثقافة لا تعتمد على الأحكام المطلقة بل تحتكم إلى نظرة نسبية للأشياء، وتحتكم إلى مفهوم «الجدوى» كأساس للقبول أو الرفض. ثقافة تقوم على الشفافية والصراحة والمكاشفة، وليس على الكتمان أو التعتيم أو المراوغة. ثقافة تُعلى من قيمة المشاركة، وترفض الاستفراد أو الاستئثار أو الاحتكار. ثقافة تحترم الطموح وتدفع صاحبه إلى الأمام، وتعالج أمراض التطلع وتمحو كلمة الفهلوة من قاموس حياتنا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«التطلع» الذى لا يبلى «التطلع» الذى لا يبلى



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 07:57 2021 الخميس ,02 أيلول / سبتمبر

سعر الدولار اليوم الخميس 2- 9-2021 في مصر

GMT 06:58 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

علاج محتمل للسكري لا يعتمد على "الإنسولين" تعرف عليه

GMT 14:10 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أسوان يخطط لعقد 9 صفقات قبل غلق باب القيد لتدعيم صفوفه
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon