توقيت القاهرة المحلي 05:59:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أدهم و«المحمول»

  مصر اليوم -

أدهم و«المحمول»

بقلم: د. محمود خليل

ارتكزت الاستثمارات فى عصر «مبارك» على مجالين أساسيين: مجال الاتصالات ومجال العقارات. مجال الاتصالات كان المجال الأكثر حيوية فى حياة الأداهم. فقد عاشوا عقود معاناة طويلة من ضعف شبكة التليفونات. ودخول خط التليفون الأرضى إلى بيت أحدهم كان يمثل حدثاً جللاً فى حياته. اختلفت الأمور، بدءاً من حقبة التسعينات، حين تحسّنت خدمات التليفون الأرضى، وأصبح من السهولة بمكان الحصول عليه داخل مناطق كثيرة بالقاهرة والكثير من المحافظات. وفى عام 1996 دخلت أولى خدمات التليفون «المحمول» إلى مصر، ثم توالى ظهور خدمات أخرى كثيرة، وأصبحت مصر سوقاً واسعة لهذا الصغير الجديد الوافد على عالم الاتصالات. وأمسى الاستثمار فيه دجاجة تبيض ذهباً لرجال أعمال «أدهمية مبارك».

كان من المثير أن يطلق الأداهم وصف «المحمول» على جهاز أصل اسمه «موبايل»، والذى يعبّر عن الطبيعة المتحرّكة للجهاز الذى يصاحب الإنسان أينما حل وحيثما ذهب. أطلق أهل الخليج على الجهاز الجديد وصف «الخلوى» و«الجوال»، وهى تعبر بدقة أكبر عن طبيعته ووظيفته، كما تتسق مع الثقافة المتجذّرة فى المجتمعات الخليجية، كمجتمعات عاشت حقبة رعوية طويلة اعتاد أهلها خلالها على فكرة التجول والانتقال من مكان إلى آخر، سعياً وراء العُشب والماء، أو بحثاً عن الرزق عند الطبقة التجارية داخل هذه المجتمعات. الأمر اختلف بالنسبة للأداهم الذين أطلقوا وصف «المحمول»، اتساقاً مع ميراثهم الثقافى. فالأدهم فى الأغلب لا يميل إلى الحركة، بل إلى الثبات، وما إن يستقر فى مكان حتى يرتبط به ارتباطاً عميقاً، وهو لا يفضّل بحال تركه والتحرك إلى غيره، وإذا اضطرته الظروف إلى ذلك اجتاحه شعور بالغربة، وقتله الحنين للعودة إلى مكانه الذى يرتبط معه بتاريخ وذكريات.

مكث «الأدهم» آلاف السنين إلى جوار النيل وبنى بيوته ومزارعه ومصانعه إلى جواره أو على مقربة منه، حسب ما تيسر، ولم يفكر -إلا قليلاً- فى الزحف إلى الصحراء المحيطة به من كل الاتجاهات واستثمار أرضها والاستفادة منها، حتى بعد أن تكدّست الأنفس على الشريط النيلى الممتد بطول الأدهمية كانت طبيعته الاستيطانية تغلبه وتدفعه إلى المكوث، حيث تعود حتى فى أبسط الأمور. ولو أنك تتبعت سلوك «الأدهم» خلال صلاة الجمعة، فسوف تجد أنه يحرص كل الحرص على الجلوس فى مكان ثابت كل أسبوع، وإذا حدث وجلس آخر مكانه يشعر الأدهم بالتململ، ويظل يدافعه حتى يدفعه إلى ترك مكانه المعتاد.

فى هذا السياق، يمكننا أن نفهم السبب الذى دفع الأدهم إلى نعت الموبايل بـ«المحمول»، كجزء من ثقافته ذات الطابع الميال إلى الاستقرار فى المكان وانتظار الذى يجىء (من مكالمات أو رسائل أو غيرها). ارتبط الأدهم بهذا الاختراع ارتباطاً كبيراً، وأصبح جزءاً من حياة الكبير والصغير، الغنى والفقير، المتعلم وغير المتعلم، الريفى والحضرى. الكل تسابق إلى امتلاك الجهاز الصغير إلى حد أنه استطاع أن يُغطى قطاعاً ضخماً من «الأداهم» بعد فترة وجيزة من نزوله إلى السوق المصرية، وشرع يحدث تغييرات كبيرة فى أدائهم اليومى، وبمرور الوقت أصبح مصدراً من مصادر استنزاف الأسرة الأدهمية، التى أصبحت تنفق جزءاً لا بأس به من دخلها على كروت الشحن واقتناء الجديد والحديث من الأجهزة، التى تظهر داخل سوق «الموبايل» من حين إلى آخر.

وقد يهمك أيضًا:

الخبر الداهم.. و«حظ الأداهم»

العزف على وتر «الكسل الأدهمى»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أدهم و«المحمول» أدهم و«المحمول»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 18:31 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

آندي روبرتسون يخوض لقائه الـ150 مع ليفربول أمام نيوكاسل

GMT 06:47 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد نهاية الجولة الـ 13

GMT 02:10 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

7 أسباب تؤدي لجفاف البشرة أبرزهم الطقس والتقدم في العمر

GMT 22:29 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

أحمد موسى يعلق على خروج الزمالك من كأس مصر

GMT 11:02 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الحلق وأسباب الخلط بينه وبين كورونا

GMT 03:10 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة في الطلب على العقارات بالمناطق الساحلية المصرية

GMT 22:14 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

بورصة بيروت تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,21 إبريل / نيسان

خسائر خام برنت تتفاقم إلى 24% في هذه اللحظات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon