توقيت القاهرة المحلي 00:02:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ثورات الربيع «ماتوكّلش عيش»

  مصر اليوم -

ثورات الربيع «ماتوكّلش عيش»

بقلم: حمد الماجد

بلغة الأرقام لم تنجح ثورة تونس التي اندلعت من تطاير شرار النار الذي أحرق محمد البوعزيزي قبل عشر سنوات (صادف يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول)، في تحقيق حلم الشباب التونسي الذي كان وقود الثورة ضد نظام زين العابدين بن علي.. حلم الرفاهية والعدالة الاجتماعية ولو بنسبة قليلة، المهم أن تكون تصاعدية، فلم يتحقق طموحهم في عيش رغيد كانوا يظنون أنهم كانوا محرومين منه بسبب فساد النظام الاستبدادي السابق.
كان الحلم التونسي منطقياً بسقوط نظام بن علي، فقد توقعوا أن زوال الفاسدين والمستأثرين بالوظائف والمناصب والفرص ووصول حكام جدد تتبناهم الثورة الوليدة سيفتح أبواب الوظائف مشرّعة، وسيحوّل حياتهم من جحيم العوز إلى جنان الرفاهية. صحيح أن السنوات العشر التي تلت الثورة التونسية قد شهدت تغيّرات إصلاحية رئيسية، مثل المراجعة الشاملة للمدوّنة القانونيّة للبلاد؛ فصادق المجلس التأسيسي عام 2014 على دستور جديد أشاد به عدد من المراقبين، وقد رافقته مجموعة من القوانين الانفتاحية، فبعد عقود من البطش والتشديد الأمني الكاتم للأصوات بات السجلّ الحقوقي التونسي أفضل بكثير بإطلاق الحريات وإلغاء الرقابة، لكن الحريات وحدها «ماتوكِّلش عيش» كما يقول التعبير المصري الدارج، فالواقع المُرّ صدمهم بخيبة اقتصادية تنموية مريرة، فأرقام البطالة في ارتفاع ومعدل النمو في انخفاض (ارتفعت البطالة من 12% قبل الثورة إلى 18% في نهاية عام 2020، كما وصل الدْن العام إلى نسبة 95% بين عامي 2010 و2020)، فالتونسيون وإنْ تخلصوا من القمع واستبداد نظام العهد البائد، إلا أنهم واجهوا في العهد «الانفتاحي» الجديد فشلاً سياسياً جلياً، وهزالاً في الحكومة، وفساداً بثوب جديد ومحسوبة جرّت البلاد إلى شبه إفلاس.
ومن سبر أحوال دول الثورات العربية ونتائجها الكارثية، خصوصاً في سوريا واليمن وليبيا، التي كحّت فعطست بقية الدول العربية وأُصيبت بالزكام، يخلص إلى أن الشعوب العربية الثائرة وحتى الخامدة أمست تخاف شيئاً وتطمح لشيء وتزهد في شيء، الشيء الذي تخافه لدرجة الرِّهاب هو انفلات الأمن والفوضى؛ فقد رأت في سوريا وليبيا ما يشيب له الولدان، وأما الذي تطمح إليه وتطمع فيه فهو النمو الاقتصادي والرفاهية وتوفُّر الوظائف، وتشكلت في جلد الجماهير طبقات سميكة جعلته مقابل الازدهار الاقتصادي والأمن في الأوطان قادراً على تحمل انخفاض سقف الحريات والكبت، وأما الشيء الذي زهدت فيه فهي الحريات بنسختها العربية بمناكفات نوابها المنتخبين ومضارباتهم المخجلة واستجواباتهم المملّة المعطِّلة للتنمية، فالديمقراطية العربية لا تُطعمهم من جوع ولم تؤمِّنهم من خوف.بلغة الأرقام لم تنجح ثورة تونس التي اندلعت من تطاير شرار النار الذي أحرق محمد البوعزيزي قبل عشر سنوات (صادف يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول)، في تحقيق حلم الشباب التونسي الذي كان وقود الثورة ضد نظام زين العابدين بن علي.. حلم الرفاهية والعدالة الاجتماعية ولو بنسبة قليلة، المهم أن تكون تصاعدية، فلم يتحقق طموحهم في عيش رغيد كانوا يظنون أنهم كانوا محرومين منه بسبب فساد النظام الاستبدادي السابق.
كان الحلم التونسي منطقياً بسقوط نظام بن علي، فقد توقعوا أن زوال الفاسدين والمستأثرين بالوظائف والمناصب والفرص ووصول حكام جدد تتبناهم الثورة الوليدة سيفتح أبواب الوظائف مشرّعة، وسيحوّل حياتهم من جحيم العوز إلى جنان الرفاهية. صحيح أن السنوات العشر التي تلت الثورة التونسية قد شهدت تغيّرات إصلاحية رئيسية، مثل المراجعة الشاملة للمدوّنة القانونيّة للبلاد؛ فصادق المجلس التأسيسي عام 2014 على دستور جديد أشاد به عدد من المراقبين، وقد رافقته مجموعة من القوانين الانفتاحية، فبعد عقود من البطش والتشديد الأمني الكاتم للأصوات بات السجلّ الحقوقي التونسي أفضل بكثير بإطلاق الحريات وإلغاء الرقابة، لكن الحريات وحدها «ماتوكِّلش عيش» كما يقول التعبير المصري الدارج، فالواقع المُرّ صدمهم بخيبة اقتصادية تنموية مريرة، فأرقام البطالة في ارتفاع ومعدل النمو في انخفاض (ارتفعت البطالة من 12% قبل الثورة إلى 18% في نهاية عام 2020، كما وصل الدْن العام إلى نسبة 95% بين عامي 2010 و2020)، فالتونسيون وإنْ تخلصوا من القمع واستبداد نظام العهد البائد، إلا أنهم واجهوا في العهد «الانفتاحي» الجديد فشلاً سياسياً جلياً، وهزالاً في الحكومة، وفساداً بثوب جديد ومحسوبة جرّت البلاد إلى شبه إفلاس.
ومن سبر أحوال دول الثورات العربية ونتائجها الكارثية، خصوصاً في سوريا واليمن وليبيا، التي كحّت فعطست بقية الدول العربية وأُصيبت بالزكام، يخلص إلى أن الشعوب العربية الثائرة وحتى الخامدة أمست تخاف شيئاً وتطمح لشيء وتزهد في شيء، الشيء الذي تخافه لدرجة الرِّهاب هو انفلات الأمن والفوضى؛ فقد رأت في سوريا وليبيا ما يشيب له الولدان، وأما الذي تطمح إليه وتطمع فيه فهو النمو الاقتصادي والرفاهية وتوفُّر الوظائف، وتشكلت في جلد الجماهير طبقات سميكة جعلته مقابل الازدهار الاقتصادي والأمن في الأوطان قادراً على تحمل انخفاض سقف الحريات والكبت، وأما الشيء الذي زهدت فيه فهي الحريات بنسختها العربية بمناكفات نوابها المنتخبين ومضارباتهم المخجلة واستجواباتهم المملّة المعطِّلة للتنمية، فالديمقراطية العربية لا تُطعمهم من جوع ولم تؤمِّنهم من خوف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثورات الربيع «ماتوكّلش عيش» ثورات الربيع «ماتوكّلش عيش»



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

الإطلالات البراقة اختيارات نانسي عجرم في المناسبات

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 23:49 2019 الخميس ,21 شباط / فبراير

مي عمر تؤكد استمتاعها بالعمل مع أحمد السقا

GMT 08:52 2019 السبت ,15 حزيران / يونيو

الفنان رامي عياش يتعرض لـ"خيانة" ويرد بـ"حِكمة"

GMT 07:46 2019 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

حدائق منزلية صغيرة خارجية في ملكيات المشاهير

GMT 15:00 2019 الإثنين ,11 شباط / فبراير

"مان سيتي" يعود لصدارة الدوري بعد "سداسية" تشيلسي

GMT 12:37 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

طريقة تحضير فطيرة بالليمون الحامض والشوكولاتة

GMT 22:38 2018 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

بايرن ميونخ يخطط لخطف نجم دورتموند

GMT 16:46 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل شخص خلال تبادل لإطلاق النار مع الشرطة في الجيزة

GMT 02:43 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين زفاف تُناسب شكل جسم العروس وتُظهر جمالها

GMT 00:45 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو دياب يصرح بأن تركي آل الشيخ "رمز" من رموز الثقافة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon