توقيت القاهرة المحلي 22:12:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دورة «أرامكو» المجني عليها

  مصر اليوم -

دورة «أرامكو» المجني عليها

بقلم : فـــؤاد مطـــر

لكل دورة تعقدها الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ الأُولى عام 1946، رمز لمجريات الانعقاد وما التقت كلمات الرؤساء المشاركين حول موضوع واحد شاغل بال المجتمع بنسبة أو بأُخرى.
وعموماً، ينتظر معظم الحكام في دول العالم هذا الانعقاد ليعرض هذا شكوى، وذاك وقفة تحدٍ من على هذا المنبر الدولي. ولا يخلو الأمر من حالات خارج ما تنص عليه الأصول على نحو ما فعله الزعيم السوفياتي خروشوف الذي لم يكن رجل دولة كما المفترض عندما خلع فردة حذائه ولوَّح بها وهو على المنبر يتحدث بالروسية الصارخة، وعلى نحو ما زايد العقيد معمر القذافي على خروشوف، وذلك بإمساكه نسخة من ميثاق المنظمة الدولية ومزَّقه على مرأى الرؤساء والوفود. كلاهما فِعْل يصلح الأول في موسكو الستينات أو أي بلد في الاتحاد السوفياتي، ويصلح الثاني أمام جمْع جماهيري في طرابلس أو بنغازي، إنما ليس في دورة سنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة من واجب المشارك فيها أن يقف خطيباً ويعرض قضية تخص بلاده أو يقترح أمام أقرانه أفكاراً لتصحيح مسار الجمعية العامة ومجلس الأمن، لا أن يسْخر ويشتم سواء عن طريق رفْع فردة الحذاء الخروشوفي أو تمزيق نص له صفة الدستور الأممي. لكن الاثنيْن خروشوف ثم القذافي أرادا إيهام شعبيْهما بأنهما فعلا من على منبر الأمم المتحدة ما لم ولن يفعله أحد غيرهما باستثناء الزعيم الكوبي فيديل كاسترو الذي لم يفارق السيجار فمه وهو يعتلي المنصة فبدا كمن يؤدي دوراً في واحد من أفلام الغرب الأميركي. وبالمقارنة، نتوقف أمام التصرف الراقي من جانب الرئيس ياسر عرفات الذي لوَّح بغصن الزيتون تعبيراً رمزياً عن رغبته ومَن يمثِّل لشعب احتل الصهاينة وطنه، في أن تغمر النفوس المحبة ويسود السلام على أرض فلسطين وفي صيغة دولتيْن متجاورتيْن، وهذا ما بلوره الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمة الله عليه - في القمة العربية الدورية التي استضافها لبنان المثلث الرئاسات إميل لحود - رفيق الحريري - نبيه بري يوم الخميس 28 مارس (آذار) 2002 في صيغة «المبادرة العربية للسلام» وبموافقة إجماعية غير مسبوقة في تاريخ القمم العربية.
لا مكاسب تُجنى من الدورة العادية السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة، عدا أن الرؤساء في دول العالم يتلاقون، وذلك أمر مطلوب، خصوصاً أن الزيارات الثنائية المتبادلة قليلة عموماً، وهي شبه نادرة بالنسبة إلى رئيس الولايات المتحدة الذي بمشاركته في الانعقاد السنوي للجمعية العامة يقول ما معناه إن من لم يحظ بعد بلقائي في البيت الأبيض وأنا من جانبي لم أزر بلده يمكنه اغتنام انعقاد دورة الجمعية العامة فنتصافح أو نتشارك في غداء أو حفل استقبال تقيمه مندوبة الولايات المتحدة لدى المنظمة الدولية على هامش الانعقاد وقبْل أن يغادر الرئيس نيويورك عائداً إلى واشنطن.
تتعدد الصفات لكل دورة حسب ما يثار فيها من قضايا ويُطرح من هموم مرفقة أحياناً بالتمني أن تؤخذ في الاعتبار والاهتمام، من نوع تمنيات الرئيس عبد الفتاح السيسي على المجتمع الدولي بأن يتدخل البعض ممن لهم موْنة على إثيوبيا أن تنظر بمسؤولية إلى أن النيل هبة المولى عزَّ وجلَّ لمصر كما أنها هبة له منذ سريانه من بحيرة فيكتوريا ليروي أرضها المترامية الأطراف وشعبها الذي قبْل إنشاء السد العالي كان عشرين مليوناً، وها هم الآن بدأوا المائة مليون الثانية، وأن أي اختزال لحصة مصر من المياه بسبب «سد النهضة» الذي أنشأته إثيوبيا، هو بمثابة قطْع كما قطْع الأعناق من قطْع الأرزاق على نحو القول المأثور. ولذا؛ فإن تدويل أزمة «سد النهضة» إلا إذا أقدم السودان ورفع منسوب الاهتمام وقوفاً أكثر مع مصر، كفيل بإبقاء هذه الأزمة تحت خط البرودة فلا تسخن ثم تزداد سخونة نتيجة عدم التفهم... فالتفاهم.
وعندما نقول ذلك فإننا نأخذ في الاعتبار أن إثيوبيا أدت دوراً توفيقياً وأمكن وساطتها بين أطراف الأزمة السودانية بدعم من الاتحاد الأفريقي وتحفيز من الدول العربية ذات التأثير لتحقيق حل انتقل السودان بموجبه من ما لا تحمد عقباه إلى الحل الأمثل. ومن هنا، فإنه عندما سيمارس أهل الحُكْم الإثيوبي هذا الدور فمن الطبيعي مطالبتهم بالتفهم وإلا اعتبروا أحاديين، بمعنى أن ما يعنيهم هو مصلحتهم قبْل أي مصلحة محقة للآخرين من نوع أحقية مصر في موضوع المياه، أو حتى على حساب مصلحة الآخرين.
وبالعودة إلى ما بدأناه فيما يخص طبيعة الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة يجوز التوصيف في ضوء أكثرية الكلمات التي أُلقيت والحراك الرئاسي والدبلوماسي في كواليس المنظمة الدولية، أن هذه الدورة كانت دورة «أرامكو» المجني عليها بفعل إيراني الملامح وأدوات التنفيذ، وبتقنية مصدرها مرجعية تتجاوز بكثير من حيث الدقة القدرات الحوثية - الإيرانية. وعند التأمل فيما قاله كبار قوم الدورة الرابعة والسبعين هذه بدءاً بما قاله الرئيس ترمب، وزاده توصيفاً رئيس وزراء اليابان وآخرون اعتبروا الاعتداء على «أرامكو» بمثابة اعتداء على مصالح واحتياجات حكومية وشعبية، فإن الدورة الراهنة تكتسب التوصيف الذي أشرنا إليه، أي أنها دورة «أرامكو».
ثم إن المألوف بالنسبة إلى الأزمات العالقة من نوع الأزمة التي يعيشها النظام الإيراني مع المجتمع الدولي أن يغتنم المأزوم والمؤزِّم في الوقت نفسه المناسبة التي توظفها مرجعية دولية ذات مصداقية لمصلحة التخفيف من حدة الأزمة أو وضْع نهاية لها. وكان يمكن للنظام الإيراني لو أنه راغب في الجنوح نحو التهدئة والتعايش وفق الأصول بديلاً لسلوك عقديْن من الزمن تَسبب خلال بعض سنواتهما بإيذاء شامل لشعوب دول المنطقة وإقلاق للكثير من دول العالم، أن يغتنم انعقاد الدورة العادية الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة فيقف من على منبرها طارحاً على الملأ الدولي حُسْن النوايا، متيحاً المجال أمام الرئيس الفرنسي ماكرون الذي هو وسيط لا تحفُّظ عليه، ولا حتى اعتراض من جانب الإدارة الأميركية والمتضررين الخليجيين والعرب عموماً؛ لمواصلة السعي حتى تحقيق التسوية التي تحفظ ماء الوجهيْن: الوجه الإيراني والوجه الأميركي. ولكن النظام الإيراني أضاع الفرصة في الخروج من الوضع الذي يعيشه. وهو لو كان اعتمد الحصافة قولاً من على المنبر الدولي واختار التهدئة سبيلاً لتسهيل أمر المسعى الفرنسي، لكانت الدورة الرابعة والسبعون هي دورة «أرامكو» المجني عليها... ودورة «الجاني» الذي أعاد النظر وقرر الجيرة المستحبة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دورة «أرامكو» المجني عليها دورة «أرامكو» المجني عليها



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 12:49 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك
  مصر اليوم - افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك

GMT 00:17 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

الزمالك بطلاً لكأس الاتحاد الإفريقي
  مصر اليوم - الزمالك بطلاً لكأس الاتحاد الإفريقي

GMT 12:36 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها
  مصر اليوم - أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها

GMT 10:57 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

مفاجآت كبيرة في فيلم "الست" لمنى زكي
  مصر اليوم - مفاجآت كبيرة في فيلم الست لمنى زكي

GMT 02:55 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

نيللي كريم تتحدث عن ظهورها في فيلم "كازابلانكا"

GMT 20:58 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

دي ليخت بين مطرقة عمالقة أوروبا وسندان برشلونة

GMT 18:43 2019 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

خبير أرصاد يُحذّر من استخدام الكمامات في العاصفة

GMT 12:42 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

خطرٌ يُهدد حياتك بسبب النوم أكثر أو أقل من 8 ساعات يوميًا

GMT 02:16 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

بدران يؤكد أن الموز يُخفّف حموضة المعدة

GMT 12:55 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

مباراة توتنهام ضد تشيلسي تخطف الأضواء في الدوري الإنكليزي

GMT 03:34 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

مميزات استخدام ديكور الجدران الخرسانية في غرف النوم

GMT 21:44 2018 الأحد ,09 أيلول / سبتمبر

تفاصيل جديدة مثيرة في واقعة "مذبحة الشروق"

GMT 23:32 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

صخرة برشلونة مهددة بالغياب عن مواجهة فياريال
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon