توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مستقبل سوريا بين التطمينات والتحديات

  مصر اليوم -

مستقبل سوريا بين التطمينات والتحديات

بقلم : يوسف الديني

مهمة صعبة وشاقة أمام السوريين اليوم لإعادة بناء دولتهم عقب سقوط نظام الأسد الذي أعاد حالة البلاد إلى قرون مضت تقترب من حالة اللادولة بما تعنيه الكلمة، لكن هذه صفحة من الماضي، الآن يجب أن يضعها السوريون أمام عدالة انتقالية لا انتقامية ويمضون في بناء مستقبلهم وفق ثلاثة محددات: السيادة، المواطنة، بناء المؤسسات بشكل عادل يضمن مشاركة جميع المكونات.

هذه المهمة اليوم لا يمكن أن تكون رهينة التطمينات التي تقتصر حتى الآن على الولايات المتحدة وإسرائيل والغرب، وبدرجة ثانية دول الإقليم على طريقة دبلوماسية الأمر الواقع، وليس المراجعات والإجابة عن الأسئلة الأساسية والتفاصيل في خضم فوضى من الإشارات وفلتات التصريحات التي ربما وإن كانت لا تعني كثيراً الدول المنخرطة في سوريا، لكنها حتماً تهم السوريين أكثر من غيرهم.

المراجعات اليوم لمسيرة الثورة السورية ومكوناتها بعيدة عما حدث في إسقاط النظام من قِبل تحالف فصائل تقوده «هيئة تحرير الشام» ضمن «ردع العدوان» في مدة قياسية وغامضة لم تتكشف خيوطها بعد، لكنها مفرحة للسوريين وللعالم بسبب تجنبها للدماء، حيث كل ضحايا إسقاط النظام لا يشكلون إلا نسبة ضئيلة جداً إذا ما قورنوا بواحدة من المعارك الدموية بين التنظيمات والفصائل المسلحة وحتى معارك التصحيح داخل التنظيم الواحد وفقاً للأرقام التي يجب أن تحضر في مقاربة ما حدث.

تتضخم التحديات في بلد منقسم حتى قبل سقوط النظام ويشهد منافسة شرسة بين جهات فاعلة محلية ودولية لمحاولة دفع سلطات الأمر الواقع لرسم ملامح واقع جديد في ظل فراغ للسلطة وتجنب انتهاكات حقوق المكونات «الأقليات» السورية، والسيطرة على الكتلة الصلبة للتنظيمات والمجموعات التي ما زالت مصنَّفة على قوائم الإرهاب، فضلاً عن التحديات الأمنية الوطنية حتى قبل أي حديث عن انتقال سياسي، وعلى رأس تلك التحديات «المقاتلون الأجانب»، الملف الذي سيكون مؤرقاً للسوريين قبل غيرهم في ظل ارتباك في معالجة هذا الملف ومؤشرات غير إيجابية مهما كانت التطمينات في التصريحات الإعلامية التي ستظل محل مراقبة المجتمع الدولي باعتبارها تعكس تحولات حقيقية لتيار «الجهادية» السورية المحلية، وهو توصيف لما آل إليه التغيير الاستراتيجي في أطروحات التنظيمات المسلحة أو مجرد خطاب مهادن ومرحلي لضمان السيطرة على الأوضاع الداخلية في ظل توافقية دولية وهيمنة تركية، وارتباك كبير لاحظناه في مواقف الدول وحتى تيارات الإسلام السياسي التي بعد أن انفضت الاحتفالات بسقوط نظام الأسد وخروج المشروع الإيراني من المشهد، يبحثون عن موطئ قدم لابتلاع «ربيع التنظيمات» باعتباره امتداداً نوستالجياً لـ«الربيع العربي» الذي للأسف كانت آلت نتائجه المشابهة للحالة السورية في ليبيا واليمن والسودان إلى واقع مفزع.

هناك فرصة ذهبية من الارتياح العام في التخلص من إرث وحشي ثقيل ورغبة في فترة من السلام والبناء للقادم من الأيام، لكن استحقاقات ذلك تعني حوكمة رشيدة وضماناً للاستقرار واستمرار الخدمات الحكومية والاستفادة من خبرات المعارضة المنشقة على النظام في كل القطاعات، حتى وإن لم تتفق مع آيديولوجيا سلطة الأمر الواقع، لا سيما في الوظائف المتصلة بتسيير الأعمال اليومية والإدارات غير الحساسة مع ضرورة تمكين المجتمع المدني من المشاركة، والأهم هيئة مستقلة للعدالة فيما يتصل بجرائم العهد السابق.

هناك تحسس واضح حول دور المؤسسات والمنظمات الدولية من قِبل الإشارات الغامضة والإجابات الدبلوماسية من قِبل سلطة الأمر الواقع، ويمكن وصفها بأنها مرحلة «بين السطور» رغم كل التلقي الإيجابي الدولي والعربي بسبب نشوة التخلص من وحشية النظام السائد، وتذكر معاناة السوريين التي عاشها الكثير من المجتمعات العربية مهم يوماً بيوم، لكن تشجيع الشرعية الدولية للحكومة المركزية والوساطة وضبط إيقاع العلاقة بين تركيا من جهة والمكون الكردي ووقف الاعتداءات الإسرائيلية، ستكون ضمانة مهمة لعدم الانزلاق في أتون الفوضى، إضافة إلى ضرورة عدم التحسس من المجتمع السوري المدني الذي أبدى نضجاً كبيراً في كل ما كتبه منذ سقوط الأسد إلى الآن، فهم مستعدون لبناء وطنهم كما أن كثيراً من المكونات السياسية في المنفى قادرة على لعب أدوار إيجابية متى ما منحت الثقة والضمانات الكافية.

الاستثمار في الحديث السوري اليوم على أشده من قِبل كل أصحاب المشاريع الانتفاعية والبراغماتية وأهل الشعارات الذين يحاولون التحشيد ضد استقرار دول المنطقة عبر قراءة رغبوية لما حدث، ومحاولة صناعة أيقونات شمولية وحتى إطلاق عبارات خطرة لا تعكس ما حدث من قبيل «من يحرر يقرر»، وغيرها من محاولة الوصاية على منجز دفع فيه السوريون أثماناً باهظة على مدى عقد ونصف العقد قبل الانهيار الدرامي الذي يشبه النهايات السعيدة لمسلسل وحشي لا يجب أن يتكرر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مستقبل سوريا بين التطمينات والتحديات مستقبل سوريا بين التطمينات والتحديات



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt