توقيت القاهرة المحلي 13:25:14 آخر تحديث
  مصر اليوم -

القضايا الشائكة فى تجديد الخطاب الدينى

  مصر اليوم -

القضايا الشائكة فى تجديد الخطاب الدينى

بقلم - مصطفى كامل السيد

لم أكن متحمسا كثيرا للخوض فى النقاش حول تجديد الخطاب الدينى، ذلك أن مثل هذا النقاش يقوم على افتراضات خاطئة، كتصور أن قيام المؤسسة الدينية بإعادة النظر فى مضمون ما تطرحه لأتباعها عن تعاليم الدين، وتأكيدها أن رسالته الصحيحة تقوم على الاعتراف بحرية الاعتقاد لكل البشر، وأن الدعوة له يجب أن تقتصر على الحكمة والموعظة الحسنة ــ سوف يجعل بعض أتباع هذه المؤسسة يعدلون عن العنف فى التعامل مع من يختلفون عنهم فى العقيدة أو مع رموز الدولة التى يتصورون أنها تحمى ممارسات خاطئة لهذا الدين. مثل هذه الآمال التى يثيرها هذا الطرح لقضية الخطاب الدينى تستند بدورها لرؤية غير صحيحة عن كيفية تغيير الخطاب المجتمعى عن الدين، وعن مدى ارتباط خطاب المؤسسة الدينية بممارسة العنف المجتمعى أو السياسى، فى المجتمع.
ولكن تشجعت على تناول موضوع الخطاب الدينى بعد أن أصبح موضوعا للسجال على أعلى مستويات السلطة فى مصر، عندما كرر الرئيس فى مناسبة الاحتفال بمولد الرسول العظيم دعوته لتجديد الخطاب الدينى بحيث يشدد على نبذ العنف، وسانده فى ذلك وزير الأوقاف، بينما فسر البعض خطاب شيخ الأزهر فى تلك المناسبة على أنه رفض لتلك الدعوات، وتمسك بمصادر للإسلام يجب ألا يتطرق لها الشك، لا تقتصر فقط على القرآن ــ كتاب الإسلام المقدس ــ ولكن تمتد إلى كل ما نسب لرسول الإسلام من أحاديث. وهو الأمر الذى لم يجد قبولا من معظم من تناولوا هذا الموضوع على صفحات الصحف، الذين أكدوا على الحاجة لتنقية الأحاديث مما يعتبرونه غير صحيح أو بإعادة تفسيرها على ضوء ما جرى فى المجتمعات الإسلامية وخصوصا مصر من تطورات. وسوف أقتصر على طرح تصورى لكيفية تطور الخطاب الدينى فى المجتمعات الغربية وهى التى مرت بتجربة حروب دينية استند أطرافها لخطابات دينية متعارضة، وعلى مناقشة مدى ارتباط الخطاب الدينى المؤسسى بممارسات العنف فى المجتمع.

فى غياب التحدى لا تغير المؤسسة الدينية خطابها
المؤسسة الدينية سواء كانت كنيسة أو محفلا للأحبار أو تجمعا نظاميا لرجال الدين كما هو الحال فى الإسلام تجد وظيفتها الأساسية فى الدفاع عما تعتبره صحيح الدين، وهى تدافع عنه فى مواجهة من يخرجون عن تفسيرها له. ومع أنه يوجد فى كل مجتمع أكثر من خطاب دينى، إلا أن خطاب المؤسسة الدينية الرسمية يتسم غالبا بالثبات بل وبالجمود ما لم تتعرض هذه المؤسسة لتحد خارج عنها بانشقاق بعض أتباعها ومحاولة تكوينهم مؤسسة مناظرة بل ومنافسة، أو عندما تجد أعداد التابعين لها تتقلص بخروجهم عن تعليماتها أو بانصرافهم عن المشاركة فى أنشطتها. المثل البارز على تغير الخطاب الدينى هو ما جرى للكنيسة المسيحية فى أوروبا فى القرن السادس عشر عندما انشق البروتستانت عنها فى أكبر حركة إصلاح دينى عرفتها مؤسسة دينية، ولكن هذا الانشقاق جاء فى خضم حركة تطور اجتماعى هائل عرفته أوروبا برفض الفساد السائد فى الكنيسة الكاثوليكية وسيطرتها على العقل ووقوفها موقف الرقيب على إنجازات العلماء، وبفقدان الكنيسة للتأييد السياسى الذى كانت تحظى به فى ظل النظام الإقطاعى مع نهوض برجوازية المدن التى تعتمد على التجارة والمال. وقد أدت حركة الإصلاح هذه إلى انقسام الكنيسة الكاثوليكية إلى أربع كنائس، الكاثوليكية فى روما واللوثرية فى ألمانيا وشمال أوروبا والكالفينية فى سويسرا وإسكتلندا، بينما أعلن الملك هنرى الثامن استقلال الكنيسة الإنجليكانية عن روما لأسباب سياسية ودينية. ومن المهم ملاحظة أن حركة الإصلاح الدينى بدأت داخل الكنيسة الكاثوليكية ولكن إصرار بابوات روما على رفضها هو الذى أدى ــ من بين أسباب أخرى ــ إلى الثورة عليها. وأدت هذه الثورات إلى سلسلة من الحروب الدينية فى أوروبا أهمها حرب الثلاثين سنة ١٦١٨ ــ ١٦٤٨. ويقال إن ضحايا القتلى فيها تجاوزوا عشرة ملايين شخص. عدم قبول المؤسسة الدينية للإصلاح وتجديد الخطاب أدى إلى الانشقاق عنها. ومع ذلك فإن قسمات عديدة من خطاب الكنيسة الكاثوليكية لم تتغير حتى الآن، وإن كانت الحروب الدينية وما ترتب عليها من دمار دفعاها إلى التوقف عن الدعوة لمحاربة الخارجين عنها. ما زالت الكنيسة الكاثوليكية ــ مثلا ــ ترفض الطلاق ولا تقبل تحديد النسل ولا تقبل تغيير تعريف الأسرة على الرغم من أن الكاثوليك فى أوروبا لا يعتدون فى معظمهم بهذه القيود.
وقد يقال أن التجربة التاريخية للكنيسة الكاثوليكية فى أوروبا لا تنطبق على الإسلام، فلا توجد فيه مؤسسة مقدسة مثلما تعرف الكنيسة، ولا يملك رجال الدين المسلمون سلطة التحريم كما كانت تمارسها الكنيسة فى أوروبا قبل حركة الإصلاح، ولكن إذا كان ثمة حركة إصلاحية فى الأزهر على سبيل المثال قادها الشيخ محمد عبده فى بداية القرن العشرين، فقد جاء ذلك فى ظرف اتسم بالتحدى الكبير للإسلام بسقوط الشعوب الإسلامية تحت سيطرة أوروبا المسيحية، كان محمد عبده واحدا من الذين قاوموا بداية هذه السيطرة، وكان مشغولا بالبحث مع غيره من علماء المسلمين ومثقفيهم فى أسباب تفوق الغرب عليهم. وكانت دعوته للإصلاح تنهض على إعلاء شأن العقل فى تفسير النص، وأنه إذا ما تعارض النص مع ما يقتضيه العقل، تكون الأولوية للعقل. ومع ذلك يرى أنصار حملة تجديد الخطاب الدينى أن أفكار محمد عبده لم تحدث الأثر المرجو على خطاب المؤسسة الدينية. 
لا يرى قادة المؤسسة الدينية الإسلامية فى مصر ــ فى الوقت الحاضر ــ أن الإسلام يواجه أى تحد فى بلاده. الإسلام فى مصر فى رأيهم بخير. المساجد تزداد أعدادها كما تحتشد بالمصلين. ومظاهر التدين الشكلى طاغية. وإذا كان هناك من يرفع السلاح فى وجه الدولة وأتباع الديانات الأخرى باسم الدين فهم قلة مارقة لا تعرف صحيح الدين. وإذا كانت هناك مشاعر معادية للإسلام فى بعض الدول الغربية والآسيوية، فالحل هو عن طريق شرح مبادئ الإسلام للقادة الدينيين فى هذه الدول، أو دعوتهم لمؤتمرات يخطب فيها رجال الأزهر تعريفا بمبادئ الإسلام التى تنبذ العنف، وذلك فى إطار ما يسمونه بحوار الحضارات. من وجهة نظرهم: لا داعى للقلق: «إسلامنا بخير»، ولذلك لا تلقى هذه الدعوات المتكررة لإصلاح الخطاب الدينى صدى واسعا بينهم. وإذا كان البعض قد تحدث عن زيادة أعداد الملحدين فى مصر، فإنهم لم يتجاوزوا حسب التقارير المنشورة بضع مئات ضمن عشرات الملايين من المسلمين المتمسكين بتعاليم دينهم.

تجديد الخطاب الدينى لا يكفى لمكافحة ممارسات العنف
ولكن فلنتصور أن مؤسسة الأزهر وجميع الشيوخ الذين تعتمدهم قد استجابوا لهذه الدعوة غير محددة المعالم لتجديد خطابهم، هل سيوقف ذلك ممارسات العنف المجتمعى التى يقوم بها مسلمون ضد المواطنين المسيحيين الذين يتعبدون فى منزل أو يحاولون إقامة كنيسة؟ وهل سيتوقف الشباب الذين اجتذبتهم أفكار تنظيمات مثل داعش وغيرها عن الانخراط فى صفوفها والانطلاق لمحاربة الدولة والمواطنين الذين لا يستجيبون لدعاوى هذه التنظيمات. فلنلاحظ هنا أن الأزهر لا يحتكر الخطاب الدينى فى مصر، فهناك إلى جانب خطابه الرسمى توجد خطابات أخرى ممن ينصبون أنفسهم واعظين، فهناك خطاب سلفى إلى جانب خطاب الأزهر المحافظ، وهناك خطاب إسلامى شعبى يجعل المواطنين المسلمين يزورون أضرحة الموتى فى الأعياد ويقدسون الأولياء الصالحين، وهناك خطاب ما يعرف بالإسلام السياسى سواء فى تنظيماته التى تخوض الانتخابات أو تنظيماته التى ترفع السلاح. هؤلاء الأخيرين فى مصر وباكستان وأفغانستان وفلسطين تأثروا كثيرا بكتابات سيد قطب والذى كان ناقدا حادا للأزهر. وكان الشيخ عمر عبدالرحمن مفتى تنظيم الجهاد الذى اغتال مع الجماعة الإسلامية الرئيس السادات، وكان للجماعة الإسلامية شيوخها الذين يقدمون سندا شرعيا لتصرفاتها، وهم الذين جنحوا بعد ذلك لرفض العنف. وكان لتنظيم داعش من يفتى له بأن حرق أسراه مسلمين كانوا أو من ديانات أخرى هو أمر يتفق مع الشريعة الإسلامية. وذلك فضلا على أن الخطاب الدينى لا يقتصر على مواعظ فى المساجد وكتب يجرى تدريسها أو توزيعها على عامة المسلمين، ولكنه ممارسات حية من جانب من يمثلون سلطة الدولة، وخصوصا على المستويات المحلية. ويشير كثير من التقارير إلى تقاعس هؤلاء المسئولين أمام ما جرى من اعتداء على المسيحيين فى قرى الصعيد، أو تغاضيهم عن معاقبة المتورطين فيه.
فى كل الكتابات التى أعرفها عن أسباب العنف المجتمعى والمقاومة المسلحة لسلطات الدولة لا توجد إشارة إلى أن السبب الوحيد لهذه الممارسات هو الخطأ فى فهم الدين. لهذه الممارسات جذورها فى الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لمن يقومون بها أو يتعاطفون معها، وفى انغلاق المجال السياسى أمام دعاوى الإصلاح.
لا أقلل من أهمية سيادة خطاب دينى عقلانى، ولكن مثل هذا الخطاب هو ثمرة نهضة المجتمع التعليمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، وهو وليد حوار حر فى نظام سياسى يرحب بحريات الرأى والعقيدة والتعبير.

نقلا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القضايا الشائكة فى تجديد الخطاب الدينى القضايا الشائكة فى تجديد الخطاب الدينى



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

GMT 20:02 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم "عصابة المكس"
  مصر اليوم - أحمد السقا أولي مفاجأت فيلم عصابة المكس

GMT 15:00 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك

GMT 02:46 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم تشيلسي يرفض دعوة ساوثجيت لوديتي ألمانيا والبرازيل

GMT 03:35 2017 الجمعة ,09 حزيران / يونيو

سهر الصايغ تعرب عن سعادتها بنجاح مسلسل "الزيبق"

GMT 13:23 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

التنورة المحايدة تعطيك المجال الأوسع لإطلالة مختلفة

GMT 12:43 2021 الإثنين ,13 أيلول / سبتمبر

سيرين عبد النور تأسر القلوب بجمبسوت أنيق

GMT 00:46 2021 الثلاثاء ,03 آب / أغسطس

الحكومة تنتهي من مناقشة قانون رعاية المسنين

GMT 11:57 2021 الخميس ,10 حزيران / يونيو

مالك إنتر ميامي متفائل بتعاقد فريقه مع ميسي

GMT 09:23 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

ضغوط متزايدة على لامبارد بعد أحدث هزيمة لتشيلسي

GMT 04:38 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

نفوق عشرات الآلاف من الدواجن قرب بلدة "سامراء" شمال بغداد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon