توقيت القاهرة المحلي 03:18:58 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سنوات حياتي المسروقة

  مصر اليوم -

سنوات حياتي المسروقة

بقلم:عزة كامل

فى الخارج كان المطر يضرب النوافذ بقوة، وفى الداخل كان جو غرفتها البارد المعتم يؤلم عظامها، والهالات السوداء تحت عينيها تشى بعذاب وقلق، ارتفع صراخها المحبوس داخلها تمردًا على الإهمال والنسيان: «أنا أتنفس، موجودة، أستحق أن أعيش، لست جمادًا، أنا إنسانة من لحم ودم، مازلت أقاوم هشاشتى فى هذه الغرفة التى أقضى فيها سنوات حياتى المسروقة، أتخبط بين الظلام والصمت، وحين يخترق الضوء عينى وتبدد الظلمة، يشتعل داخلى نور أتخطى به ذلك السجن الظالم، وتشتعل رغبتى فى التأمل ومحاولة فهم فلسفة الحياة».

خلف هذا الوصم بالجنون كان عقلها لا يزال حادًا، عندما جاءوا بها إلى هنا ألقوها فى حوض الاستحمام البارد، انزلقت قدماها وضربت رأسها بقوة فى حافة الحوض وانسال الدم بغزارة منها، أخرجوها بعدما اشتد صراخها، حلقوا شعرها وأجروا خياطة للجرح بخيط غير قابل للامتصاص، لم يعتنوا بالجرح فترك علامة واضحة فى مفرق رأسها، أما قدمها اليمنى فقد أصابها عرج خفيف، عندما أتوا بها إلى تلك المصحة كانت بالكاد قد أتمت العشرين من عمرها، لم يعجب أخوتها الذكور طبيعتها المتمردة ومطالبتها بإرثها بعد وفاة والدهم، وعندما اتخذت أهم قرار فى حياتها، قرار محفوف بالمخاطر، وبالهرب من سجنها العائلى، والاستقلال عنهم، ولحظها العاثر عثروا عليها، وأخذوها بالقوة إلى هذه المصحة العقلية، وبعد موقعة حوض الاستحمام حبسوها فى حجرة مظلمة بدون نوافذ أو مصدر ضوء، فى الأيام الأولى كانت شاردة الذهن ومرتبكة، تنام بعين واحدة مفتوحة، خوفًا من اقتلاعها بالقوة من السرير لتلقى الجلسات الكهربائية، وخوفًا من الأطباء وطاقم التمريض الذى يمارس عليها أشد أنواع العنف.

اتخذت قرارها، ودربت جسدها لتقوية عضلاتها، ولم تبلع الأدوية التى كانت تجعلها فى حالة خدر دائم، مرت الأيام، والأسابيع، وسنوات الخوف والألم، وكانت الحياة تمضى ببطء، لم يكن أحد يعلم أن هذا الشتاء سيسجل كأكثر الفصول رعبًا، تسللت فى ظلام الليل إلى عنابر المجانين المحبوسين قصرًا وظلمًا مثلها بعدما اتفقت معهم على الخطة كاملة، كل اثنين منهم اقتحموا غرفة من غرف الممرضين والأطباء، وذبحوهم، وتوجهوا إلى باب المصحة قتلوا الحراس وخرجوا وسط صمت كثيف يلف المكان، عانقوا بعضهم بعضًا وتفرقوا كل فى طريقه، ومن يومها لم تتوقف جرائم قتل طاقم العمل فى المصحات العقلية، ولم يستدل أبدًا على الفاعل، أما هى فقد عاشت فى راحة بال أبدية واستطاعت أن تنام ملء جفونها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سنوات حياتي المسروقة سنوات حياتي المسروقة



GMT 08:31 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

ميلاد مجيد محاصر بالتطرف

GMT 08:29 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

حكومة العالم

GMT 08:28 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

هل انتهى السلام وحان عصر الحرب؟!

GMT 08:27 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟

GMT 08:26 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

فتنة الأهرامات المصرية!

GMT 08:25 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مقتل الديموغرافيا

GMT 08:24 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

مبدأ أثير لدى ساكن البيت الأبيض

GMT 08:23 2025 الخميس ,25 كانون الأول / ديسمبر

زميلنا الرئيس السادات

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 12:17 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

غوارديولا يؤكّد أن محمد صلاح ينتظره مستقبل كبير

GMT 02:17 2025 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

التعبير عن الاحتياجات بذكاء تواصلي مع شريكك دون انتقاد

GMT 03:54 2018 الإثنين ,25 حزيران / يونيو

إرادة ألا تكون على الهامش

GMT 13:41 2021 الثلاثاء ,01 حزيران / يونيو

مقتل المرء بين فكّيه

GMT 18:50 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

سرقة نجمة لبنانية مشهورة من قبل مساعدها وتلجأ إلى القضاء

GMT 08:40 2025 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

دليل عملي لغسل الستائر في المنزل بسهولة وفعالية

GMT 17:32 2024 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يحدد خريطة توزيع 52 ألف تذكرة لمواجهة العين الإماراتي

GMT 17:40 2022 الخميس ,03 آذار/ مارس

الطلاق التعسفي

GMT 09:24 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

تأجيل موعد مباراة إنبي والإسماعيلي ساعتين

GMT 13:17 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خبير مصري يكشف عن مقترح إثيوبي بشان سد النهضة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt