بقلم:عزة كامل
وقفت أمام المرآة وتأملت نفسها بدقة، رفعت يدها اليمنى إلى أعلى، ظهرت الوثيقة بين كفيها وابتسمت، تذكرت شجارات كانت تحدث فى الليل والنهار، الوجوه والأماكن، دارت دورة كاملة كأنها تريد أن تشفى من جرح عميق، لن تعانى بعد اليوم من زواج خالٍ من الحب ومن الرحمة والمودة والعرفان، لن تُسرق فرحتها بعد الآن، لن ترضخ لرجل مهما كانت الظروف والملابسات، ولن ترى غضبه وعنفه وتوحشه، لن تعود للصمت مرة أخرى، لن تصبح هذه المغفلة التى ترضخ لمتطلباته اليومية والكثيرة، وستتخذ من المهدئات مهربا حتى تهرب من الموت ألف مرة فى اليوم الواحد.
الآن بعد وثيقة الطلاق يبزغ ضوء نهار مشرق، وعالم جديد يشغل حيزا كبيرا فى مخيلتها، أمسكت بالموبايل وفتحت صفحة الفيس بوك، وكتبت بثبات وثقة: «ولادة جديدة وبداية جديدة، دعوة للاحتفال بالطلاق، أدعوكم أصدقائى وصديقاتى للاحتفال معى بطلاقى، وتدشين بداية جديدة وتوديع بحر التعاسة الذى كنت أعيش فيه، الطلاق ليس نهاية الحياة، بل هو بداية التحرر والانطلاق والعثور على نفسى وعافيتى وحريتى، من حقى ومن حقنا جميعا حياة كريمة دون التعرض للإهانة، وأنشر لكم وثيقة الطلاق الآن لتشاركونى فرحتى، فى انتظاركم يوم الخميس القادم على متن «يخت المحروسة» أمام فندق «النيل»، والحضور بملابس السهرة وممنوع اصطحاب الأطفال، وفى اليوم الموعود بدأ الضيوف يتوافدون، أصدقاء العالم الافتراضى، والعالم الواقعى، والأهل والجيران وبعض الفضوليين والباحثين عن الفضائح وقصص النميمة، كان قالب الحلوى بارتفاع مترين، وطوابق ذات أحجام مختلفة، وكل طابق كان مزدانا بكلمات «الحرية، الانطلاق، الولادة...»، كانت النساء والفتيات يرتدين فساتين حريرية عارية وملونة.
والرجال يرتدون بدلات سموكن، شخص واحد فقط بدا كالشبح يرتدى قناعا يخفى به ملامحه، كان يرقص مع الجميع بحماس مبالغ به، أطلق عليه البعض الرجل المقنع الغامض، وآخرون وجدوه صورة لمخلوق تعيس، أما صاحبة الحفلة، فقد خالجها شعور غير مريح من هذا الرجل المقنع غريب الأطوار، لكنها قررت ألا تشغل بالها به وتستأنف استمتاعها وتغنى عاليا، صعدت إلى سطح اليخت ووضعت سيجارة فى فمها وأخذت تتنفس الهواء النقى الذى يضرب وجهها، فوجئت بيد تمتد وتشعل السيجارة لها، إنه الرجل المقنع، شعرت ببرودة تسرى فى جسدها، ودق قلبها بسرعة، وفجأة دفعها بقوة فسقطت فى الماء، واختفى تماما بعدها، أما هى فقد رقد جسدها فى قاع النيل متحررا من الحياة للأبد.