.. واستيقظت من حلم مرعب

رفعت يدها عاليًا، وأخذت تهز ظهرها بقوة كأنها تنفض حملًا ثقيلًا من عليه، ومع الوقت تمكنت منها العادة، لكن فى كل مرة كانت رأسها يدور بشكل واضح كأرجوحة، وكان يلى ذلك إحباط شديد يجعلها ترقد لساعات طويلة، وعندما تستيقظ كانت ترهف السمع إلى صوت يأتيها من ظهرها، يشبه صوت الحجرعندما تضربه الفأس بقوة، ويعقبه صرير حاد.

كانت مثل مريض منهك بالآلام، غارقًا فى التيه فوق بحار هائجة ومائجة، تصرخ بقوة وإصرار، أنا أحمل على ظهرى أثقالًا، لا أحد يصدقها، حار فيها الأطباء والشيوخ ورجال السحر، وقررت أن تختفى ويبتلعها الظلام وتهرب من شفقتهم الموجعة إلى الأبد، لا تريد تلك الشفقة التى تؤلمها، وهى ترتعد، تريد أن تهرب من نظرات عيونهم المحدقة، والتى تحولت فيما بعد من الشفقة إلى اتهامها بالجنون، الثقل يكبر، يحاصرها، يطحن عظامها، تكره الأرواح المنسحقة، والصدور الضيقة، والعيون الماكرة والأيدى التى تتآمر عليها، قلوب قاسية أدركتها الشيخوخة.

كتب عليها أن تدس رأسها فى الظلام وفى الضباب، محاطة بالكآبة والجفاف، وقفت أمام المرآة وأخذت تكلمها وكانت شفتاها تختلجان: «الشفقة والجنون أكاذيب، لابد أن أترك الخطر الأعظم الذى يحدق بى، أنتم عميان، أنا مثقلة بذنوبكم وحقارتكم، لن أتستر عليكم بعد الآن، أيها اللصوص وشاهدو الزور، لن أدعكم تنفونى كمغتربة، لقد تعلمت من الأثقال التى أحملها أن أنفضها كل ليلة، ولكنى سأنفضها إلى الأبد، أتدرون كيف؟ خافوا النار التى ستحترقون بها، وتحرق رغباتكم الجامحة، إنكم تكذبون وتعرفون إنكم تكذبون، والأثقال التى أحملها عنكم سأجعلها تركض خلفكم، وتقذف بنفسها عليكم وأنتم تتدحرجون معها نحو هوتكم السحيقة، بؤساء أنتم بقلوبكم السوداء، وشراهتكم المتوحشة خلف الجدران المظلمة».

غارقة فى الليل الأصم، عاودها الوهن، لامست يدها ظهرها المثقل، اهتزّ بقوة، إنه الجحيم، العذاب الأبدى، لم تعد تشعر بأى شىء، انهارت عافيتها، وحلّت محلها الهلوسات المرعبة، حيوان مفترس يهجم عليها بوثبة صامتة، صراخ وطبل وساعات حائط تدق بسرعة، تجعل رأسها ينفجر، الظلمة تتكاثف فى عينيها، إنها خارج العالم الآن، إنها فى أتون جحيم الغضب، وفظاظة العالم، وهى محملة برجسهم ومتاريسهم المنغرسة فى ظهرها، ومن علو شاهق سقطت وتناثرت حولها أشياء صغيرة حمراء، وسوداء، ورمادية، ومخلوقات صغيرة تضحك بهستيرية، وتخدش كل قطعة فى جسمها.. وفجأة، انفجر الثقل على ظهرها وسط رعب ما حولها، استيقظت مذعورة من حلم مرعب، تحسست ظهرها وتنفست بعمق.